عبداللطيف الزبيدي
هل يمكن فصل الاقتصاد عن الثقافة؟ إذا كان ذلك محالا، فعلى العربي أن يفكر بتخطيط في الزاد الثقافي الذي سيحمله معه في رحلة النظام العالمي الجديد. سنة خمسين ستكون الصين والهند قوتين عظميين من طراز مختلف عما كانت عليه الإمبراطوريتان الفرنسية والبريطانية، وما هي عليه الولايات المتحدة. هما شديدتا التعلق بميراثيهما، بدليل أنهما لم تتخليا عنه لا عندما كانتا تحت نير الاستعمار، ولا حين انتشلتا شعبيهما من كهوف التخلف. التنين ماكر ضحك من ذقون القوى الغربية، فما بين تحذير بونابارت الغرب من إيقاظ التنين لأنه «إذا استيقظ زلزل العالم»، واستفاقة القطب الذي كان واحدا، ومريديه في أوروبا على هدير الناتج القومي الإجمالي الصيني الذي تجاوز السبعة عشر تريليون دولار، مرت غفوة غفلة غربية، لكن العلاقات الدولية ستُعاد صياغتها.
ما يجب إدراكه الآن، هو أن الاقتصاد، مستقبلا أيضا، لن يكون منفصلا عن الثقافة. لقد باع الغرب أوهاما طوال قرنين، وكان الناس يظنونها قيما حضارية فكرية تنموية، فإذا الأباطيل تسفر عن واقع العراق، سوريا، ليبيا، السودان… الغرب يحب الكوميديا، أمس ذكر الموقع الاقتصادي الفرنسي «بزنس آ.إم» أن فرنسا أكبر مصدر للطاقة الكهربائية إلى أوروبا، وفي مقدمتها بريطانيا وإيطاليا، بفضل اليورانيوم النيجري، الذي ظلت تستغله منذ نصف قرن. أهل النيجر بلا كهرباء، بهذا تكون فرنسا قد جعلت بيوتهم مثل قصر فيرساي في عهد لويس الرابع عشر، هو الآخر كان بلا كهرباء. المجد لرومانسية دموع الشموع.
العالم الثالث لم يظفر من الحضارة المتغولة لا بتطوير التعليم ولا بالبحث العلمي ولا بزراعة أرضه، لكنه ليس بلا مكاسب، لديه بنطلون جينز ممزق، وحلم وجبة سريعة، عليه أن يطلبها في لامبيدوزا، إذا لم تأكله الأسماك غارقا قبل أن يذوق البيتزا.
صفحات ستطوى، فماذا عن المستقبل؟ قطعا ستكون العلاقات الدولية أعدل، لكنها لن تكون جمعية خيرية. الصين والهند ستطبعان العالم بطابعيهما، مثل الغرب. العلاقات الاقتصادية لا تكفي، فعلى المفكرين وذوي الشأن العرب أن يعكفوا على دراسات للمحاور الثقافية التي سينشرها البلدان عندما يصيران أكبر قوتين عالميا. ثمة أمل نسبي في ألا يحتدم التنافس بينهما. لا أمل في غير البريكس الموسعة. يبقى أنه قبل البحث عن أواصر اللقاء الثقافي، على العالم العربي أن يغير ما بنفسه وأوضاعه التنموية، فلا توجد معجزة سياسية أو دبلوماسية أو اقتصادية تستطيع أن تتعامل بمشاريع موحدة مع خريطة كلها تناقضات وتمزقات وشتات.
النتيجة الموضوعية: الفوارق التنموية يجب النظر إليها كمسافات زمنية بين عصور. هكذا هو العالم العربي، للأسف.