اللي ما قنع بخبزة
أصبح رئيس الحكومة المعين يشتغل بالبلاغات المرقمة، بلاغ رقم واحد يليه بلاغ رقم “جوج” فبلاغ رقم ثلاثة، كما لو أن انقلابا حدث وزعيمه يبلغ الرأي العام من مخبئه تطورات المعركة على الأرض بواسطة بلاغات حزبية.
والمضحك في هذا الأمر أن كل البلاغات تحمل اسم الأستاذ “ما عرفت ديالاش”، عبد الإله بنكيران، ولكن كل توقيع لا يشبه “خوه”، مما يعني أن “الأستاذ” بنكيران “ما متافقش حتى مع راسو على سنياتور وحدة بقا عاد يتافق مع الناس على حكومة”.
وبعيدا عن “الملاغة” دعونا نقول إن إعلان عبد الإله بنكيران وقف المفاوضات حول الحكومة التي كلفه الملك بتشكيلها في أقرب الآجال يعني أن الرجل أعلن العصيان وقرر أن تكون المفاوضات بينه وبين القصر عوض أن تكون مع الأحزاب.
ولأجل ذلك استعمل بنكيران لازمته “انتهى الكلام”، التي كان مقتصرا في استعمالها على خطاباته المرتجلة، في بلاغ صادر عنه كأمين عام لحزب العدالة والتنمية، وهي الكلمة التي يحاول من خلالها تقليد الجملة المخزنية التي ينهي بها المستشارون الملكيون قراءة الرسائل الملكية عندما يقولون في نهايتها “انتهى كلام صاحب الجلالة”.
ونسج بنكيران على منوال اللغة المخزنية يعيد إلى الذاكرة
ما وقع مع الراحل علي يعتة، قبل أن تصدمه سيارة في الشارع ويموت، في ملتقى بالجديدة، حيث قدمه الراحل الطيب الصديقي، الذي كان عضوا في التقدم والاشتراكية، قائلا “الرفيق علي يعتة يخاطبكم”، مقلدا ما كان يقوله المذيعون قبل بدء خطب الحسن الثاني في المذياع والتلفزيون.
إذن فاستعمال جملة “انتهى الكلام” في بلاغ حزبي حول موضوع حساس هو المشاورات لتشكيل الحكومة، أسابيع على حث الملك بنكيران في خطابه على التعجيل بإخراج الحكومة إلى الوجود يعني أن رئيس الحكومة المعين يجيب من يعنيهم الأمر بوضوح ليس بعده وضوح، وهو أن “الكتاف تقادات”، وأن بنكيران يطلب معاملة استثنائية تليق بمقامه الذي بوأه إياه أتباعه، وهو مقام الأولياء والأنبياء والقديسين، ولذلك قرر أن يوقف المشاورات لأنه يعتقد أن أخنوش ليس في مستطاعه أن يجيبه عن سؤاله.
والواقع أن لا أحد أصبح يعرف عن ماذا يبحث بنكيران، فقد اقترحوا عليه أغلبية مريحة، لكنه يفتش عن الضيق، “ياك الأحرار اللي فكوك ودخلو معاك للحكومة ملي خوا بيك شباط ولا نسيتي” ؟
والواقع أن السبب الحقيقي لإيقاف بنكيران للمشاورات هو تمسكه بحقائب بعينها، منها المالية أساسا، ولذلك فهو يضغط لأن هناك مناصب يريدها للواقفين في الصف الطويل من حزبه، ولذلك فقياديو الحزب وحواريوه متضامنون معه، والحال أنهم متضامنون مع مصالحهم، فهم يضغطون للحصول على أكبر قدر من الغنائم، مع أن الملك في خطابه نبه إلى خطورة اعتبار الحكومة كعكة والتعامل مع المسؤولية بمنطق الغنيمة.
وحسب مقال نشره الحزب في موقعه الرسمي تحت عنوان “تناقضات الأحزاب التي أوصلت المشاورات إلى الباب المسدود”، فإن بنكيران يلقي باللائمة على الآخرين ويرفض تحمل مسؤولية إنهاء المشاورات، فأخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، بنظر الموقع الرسمي لحزب رئيس الحكومة المعين ليس سوى شخص يمارس الابتزاز ويشتغل بمنطق الغنيمة. فيما إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، ليس سوى شخص “تالف” يريد ولا يريد، إن لم يكن، حسب المقال، لا يعرف ماذا يريد بالضبط.
أما العنصر، الأمين العام للحركة الشعبية، فهو شخص متردد ومرتبك، مما يعني أن بنكيران “مول لعقل” هو وحده الذي لديه مواقف ثابتة لا يتزحزح عنها، مع أن الجميع رأى كيف استقبل شباط بالأحضان بعدما ظل يصفه بالهبل والنصب والاغتناء غير المشروع قبل أن “يقلب” عليه وجهه بعد بلاغ الخارجية الشهير عندما غرق شباط في رمال موريتانيا المتحركة.
والصورة الآن أصبحت أكثر وضوحا، فبنكيران “شاد العكس” مع الملك، والأمثلة على هذا متعددة، قال له الملك لا تحكم منطق العددية، فيما هو يصر على أن المسألة مسألة أرقام ومقاعد.
قال له لا تتعامل بمنطق الغنيمة، في حين هو يصر على اعتبار الوزارات غنائم حرب ربحها في موقعة سبعة أكتوبر.
قال له أسرع في تشكيل الحكومة، لأن ذلك سيسرع بتشكيل البرلمان الذي سيحتاجه البلد للموافقة على قرارات استراتيجية مهمة لها علاقة بعودة المغرب إلى مقعده بالاتحاد الإفريقي بكل ما لذلك من انعكاسات على مصير ملف الصحراء واستقرار المملكة،
مثل القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي الموقع في الطوغو وبروتوكول التعديلات المتعلق به ومشروع القانون الذي يصادق بموجبه على القانون المذكور.
لكن “الأستاذ” بنكيران قرر أن يسير عكس التوجيه الملكي وأن لا يكتفي فقط بتأخير تشكيل الحكومة بل بتوقيف المشاروات “كاع”.
وفي مقابل معاكسة بنكيران للتوجيهات الملكية، التي لا يجب الاعتقاد أنها نصائح للاستئناس بل تعليمات ملكية لديها طابع الأمر الواجب التنفيذ، فإننا نرى كيف يغازل كل من يتجرأ على الملك أو أحد مستشاريه أو على استقرار المملكة.
وقد رأينا كيف أصبح يتغزل في شباط بعدما خلق أزمة مع موريتانيا وتطلب ذلك اتصال الملك مع الرئيس الموريتاني لإصلاح الزلة.
ورأينا كيف أصبح نبيل بنعبد الله “مقطر لبنكيران من العينين” وقوى تحالفه معه بعدما صدر ضده بلاغ من الديوان الملكي يصفه بالسياسي المضلل.
ولعل مواقف بنكيران هذه تذكرنا بذلك النص الذي درسناه في تلاوة اقرأ والذي عنوانه “مرافقة الأشرار”، ولو أنه قرأ نص “الثرثار ومحب الاختصار” وتمثل العبر التي دسها الراحل بوكماخ بين سطوره لكان أحسن له ولحزبه وللبلد برمته.
واضح إذن أن التاكتيك الجديد الذي تبنته قيادة العدالة والتنمية هو تاكتيك عالي المخاطر، إن لم يكن انتحارا معلنا.
فبإعلانه إغلاق باب المشاورات مع الأحزاب السياسية فإن بنكيران يتبنى خطة تضع الحزب في مواجهة القصر مباشرة، فهو يبحث لكي يدفع باتجاه فتح حوار مع القصر لحل خلافات سياسية حزبية صرفة. وهذا لم يقع حتى مع عبد الرحمان اليوسفي الذي لم يكن يعدم “مراسيل” ينوبون عنه في تبليغ رسائل إلى القصر الملكي.
ولعل أخطر ما في قرار بنكيران هو أنه يعتقد أنه ببلاغ “انتهى الكلام” سيضغط على القصر ليتخذ قرارا ما، وهو تاكتيك يستهدف الملكية ويحاول من خلاله إظهار بنكيران للرأي العام الوطني والدولي كضحية، وأن القصر هو سبب “الاحتباس الحكومي”، وأنه هو من يسعى لإفشال مشاورات تشكيل الحكومة، وهي تهم خطيرة جدا خصوصا بالنسبة لشركائنا الدوليين ولحلفائنا في الاتحاد الإفريقي، وهو أيضا تشويش واضح على أشغال المجلس الوزاري المخصص لتدارس عودة المغرب للاتحاد الإفريقي بناء على مجهودات جبارة للملك طيلة الشهور الأخيرة.
مشكلة بنكيران أنه لم يوفر مخاطبا داخل المربع الملكي، ووسطاؤه لا تتعدى علاقاتهم صالونات الرباط من الدرجة الثالثة، وبالتالي فإنه يجيب عبر بلاغات تكشف فعلا أنه “تالف ليه الضرب” ولا يعرف ما يقدم ولا ما يؤخر، لأنه لا يستوعب اللحظة التاريخية التي يجتازها المغرب على المستوى الإقليمي والقاري، فبنكيران يقرأ المواقع السخيفة التي يتصل بأصحابها هاتفيا مع السابعة صباحا لكي يعطيهم تصريحا ويجلس في انتظار نشره كطفل ينتظر قطعة حلوى، ولذلك يفوته أن يقرأ تقارير مهمة كذلك التقرير الذي نشرته مؤخرا “لوفيغارو” الفرنسية والذي تساءلت فيه هل سيكون المغرب الدولة التي ستقود نهضة إفريقيا.
وبالإضافة إلى عدم استيعاب بنكيران للتحولات الجيوستراتيجية المحيطة بالمغرب، فالظاهر أنه لم يستوعب أيضا التحولات العميقة التي انخرط فيها المغرب على مستوى الدولة لمحاربة مظاهر دعشنة المجتمع، وهي المظاهر التي استفحلت خلال الخمس سنوات الأخيرة من حكم العدالة والتنمية وسيطرتها على تسيير المدن والوزارات والمؤسسات العمومية.
إنه ليس من قبيل الصدفة أن تصدر وزارة الداخلية بلاغا تمنع فيه صنع وبيع النقاب، وتصدر بلاغا يأمر بإغلاق مدارس الفاتح التابعة لتنظيم الخدمة الذي يقوده فتح الله غولن من أمريكا، وتعيد بأمر ملكي أسماء الأحياء العتيقة بمراكش بعدما تم طمس هويتها، وقبل ذلك أن تأمر النيابة العامة باعتقال ومتابعة المشيدين بالإرهاب من شبيية حزب رئيس الحكومة المعين.
وإذا استمر قياديو الحزب يشيدون بإشادة هؤلاء الشباب بالإرهاب ويتبنون دعواتهم لفصل رؤوس الناس ويدافعون عنهم، مثل حامي الدين وآمنة ماء العينين، فسينتهون هم أيضا متابعين ومعتقلين بتهمة الإشادة بالإرهاب، وبسببهم قد يتعرض الحزب بكامله للحل.
والمغاربة لديهم مثل بليغ حول الطماع والطمع يقول “اللي ما قنع بخبزة يقنع بنصها”.
“وبقا تابع “انتهى الكلام” حتى تفيق شي نهار تلقاهم مطلعين ليك الجينيريك وكاتبين ليك “انتهى الفيلم”.