شوف تشوف

شوف تشوف

اللي عندو باب واحد

يسعى الإعلام المجند لدى رئيس الحكومة المعين، عبد الإله بنكيران، إلى تقديمه كزعيم تاريخي قال “لا” في وجه السلطوية، لمجرد أنه يصر على رفض تنصيب الحبيب المالكي عن الاتحاد الاشتراكي رئيسا للبرلمان.
وهكذا فبعد ثلاثة أشهر من بلوكاج تشكيل الحكومة، التقى بنكيران، رئيس الحكومة المعين، مع 12 أمينا عاما للأحزاب السياسية الممثلة داخل البرلمان لانتخاب رئيس وهياكل مجلس النواب من أجل عقد جلسة تشريعية للمصادقة على القانون التأسيسي لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي بعد مصادقة المجلس الوزاري على هذا القانون.
وبهذا اللقاء يكون بنكيران قد تراجع عن موقفه المتشدد الذي عبر عنه يتيم بعد المجلس الوزاري، عندما أفتى “البرلماني الرحالة” باستحالة انتخاب رئيس مجلس النواب قبل تشكيل الأغلبية، وتبعه في فتواه “حامي السوق” الذي طالب بحل الملك للبرلمان، وتبعتهما آمنة “تخراج العينين” التي كتبت مطالبة باحترام الدستور والمؤسسات والإرادة الشعبية.
لقد كان بالإمكان تشكيل هياكل مجلس النواب وتجاوز حالة العطالة التي عاشها مجلسا البرلمان منذ ما يقرب من أربعة أشهر، وتسببت في توقف الحركة الاقتصادية لدى الكثير من المقاولات الصغرى والمتوسطة المرتبط وجودها بالصفقات العمومية، وشاهدنا المستشار السابق بديوان وزير “العزل” وما تبقى من حريات يتباكى على صديقه رجل الأعمال الذي قال إنه يعيش ركودا غير مسبوق بسبب ارتباط أنشطته الاستثمارية بالصفقات العمومية، وهي الصفقات التي تم تجميد اعتماداتها بسبب “البلوكاج الحكومي”، ومع ذلك يطالب بنكيران بالصمود، ناسيا في الطريق أنه فضح أخاه في الحزب الذي يرضع من ثدي المؤسسات العمومية بفضل وصول إخوانه للحكم.
والواقع أن البلوكاج الحكومي تسبب في كساد العديد من المقاولات بسبب تجميد نفقات الاستثمار العمومي، نتيجة عدم المصادقة البرلمانية على قانون المالية، فيما بنكيران يعتبر المسؤولين عن هذا الكساد هم الواقفون خلف البلوكاج، ونجده رفقة وزيره في العدل يشرفان على توقيع اتفاقيات مع المحاكم الإدارية والضرائب لتنفيذ الأحكام لصالح المواطنين وأرباب المقاولات ضد الدولة، فبنكيران ووزيره في “العزل” يريدان تقديم الدولة كمؤسسة واقفة خلف البلوكاج لكي لا تتحرك عجلة الاقتصاد والمقاولات، وفي الوقت نفسه يجبران الدولة على تنفيذ الأحكام ضدا على ماليتها الهشة لدغدغة العواطف وإعطاء الانطباع أنهما ينتصران للمواطن المقهور ضد الدولة المتغطرسة.
والحال أن الانتصار الحقيقي للمواطن والمستثمر هو خلق فرص الشغل وخلق فرص الاستثمار للمقاولات، لكننا عندما نراجع الأرقام نجد أن العكس هو ما حصل، فخلال الخمس سنوات الأخيرة التي حكم فيها حزب العدالة والتنمية أفلست 20342 مقاولة.
واليوم بتشكيل هياكل مجلس النواب، فإن البلوكاج الوحيد الذي سيحل هو بلوكاج أجور البرلمانيين المتوقفة منذ أزيد من ثلاثة أشهر، أما البلوكاج الحكومي فسيستمر.
وهكذا تسبب بنكيران لدافعي الضرائب في ضياع ثلاثة مليارات هي أجور البرلمانيين في العرفتين والذين ظلوا في عطالة طيلة أربعة أشهر الأخيرة دون عمل، والآن سيتقاضون “رابيل” قدره 14 مليونا للبرلماني لكي يأتوا إلى البرلمان للقيام بحركتين رياضيتين هما الأغلى في العالم، الحركة الأولى هي وضع ورقة التصويت على الرئيس والمكتب، والحركة الثانية هي رفع اليد للتصويت على مادة فريدة.
أما بخصوص جلسة التصويت التي ستنعقد اليوم الاثنين، فهناك احتمالان، فإما أن يصوت نواب العدالة والتنمية على اختيار الرئيس، وإما أن يمتنعوا عن ذلك، وفي حالة عدم التصويت فإنهم سيبعثون رسالة سلبية نحو الخارج، لأن تشكيل مجلس النواب جاء بهدف التصويت على قرار يهم الوحدة الترابية وقضية عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، مما سيعطي إشارة بكون الحزب الذي يقود الحكومة يسبق مصالحه السياسية على المصلحة العامة للبلد.
ويبدو أننا في المغرب أصبحنا نعيش بسبب هذه الطبقة السياسية التي ابتلانا الله بها في انتظار أن يقع حدث ما له علاقة بالخارج لكي يحدث تقدم في مسار المشاورات. فقد أصبحت الأحداث الخارجية هي التي تحدد وتيرة العمل السياسي في البلد، فلولا قضية الأزمة مع موريتانيا لما قبل بنكيران باستبعاد هبيل فاس وحزب الاستقلال من الحكومة، ولولا قضية عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي لما تراجع بنكيران عن شعار “انتهى الكلام” ومسارعته لتشكيل هياكل البرلمان، “دابا خصنا شي قضية خرى باش نشكلو الحكومة”، فقد أصبح السياسي عندنا متأثرا غير مؤثر مفعولا به غير فاعل.
ولقد حرص رئيس الحكومة المعين أن يسطر على كون المسارعة لتشكيل هياكل البرلمان مطلب “جاي من الفوق”، أي أنه أمر ملكي، وذلك حتى يبعد بنكيران عن نفسه تهمة التراجع عن شعاره الصبياني والمتسرع “انتهى الكلام”.
لكن الملك أمر بتسريع تشكيل هياكل البرلمان في انسجام تام مع الدستور ولم يطلب من بنكيران أن يخرق الدستور.
نقول ذلك لأن الاجتماع الذي عقده بنكيران مع الأمناء العامين من أجل تسريع وتيرة انتخاب رئيس مجلس النواب وهياكله لا أساس قانوني ودستوري له، وهو اعتداء على الدستور، “نتا أسي بنكيران سير سرع تشكيل الحكومة، وهاداك اللقاء اللي درتي مع الأمناء العامين كان خاصو يكون فالبرلمان وكان خصهم يجتمعو مع الراضي اللي هو الرئيس المؤقت لمجلس النواب ماشي معاك، ونتا كان خصك تحضر كأمين عام لحزب العدالة والتنمية”، لأن انتخاب رئيس مجلس النواب وأعضاء المكتب في العالم كله شأن داخلي لا شأن للحكومة ولا لرئيسها المعين به.
بأي صفة التقى بنكيران مع الأمناء العامين للأحزاب السياسية، هل بقبعة رئيس الحكومة المنتهية ولايته؟ وإذا كان قد التقى الأمناء بهذه الصفة فهذه كارثة، إذ كيف لرئيس انتهت مهمته أن يشرف على تشكيل برلمان قادم؟
أم هل استقبلهم بقبعة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة؟ وإذا كان الأمر كذلك فهذه فضيحة أخرى، “نتا شكلتي حتى الحكومة بقاليك غي البرلمان، هادي هيا ديال هاديك اللي خلات تشطب باب دارها ومشات تشطب باب الجامع”.
إن بنكيران ليست له سلطة لتشكيل الغرفة الأولى لا قانونيا ولا دستوريا، ولتبرير ذلك يتذرع بأن الملك هو من طلب تسريع وتيرة انتخاب رئيس المجلس والمصادقة على الأوراق التأسيسية للاتحاد الإفريقي، لكن الملك طلب ذلك مع احترام للدستور، حيث وجه رسالة إلى السلطة التنفيذية للقيام بدورها وإحالة مشاريع القوانين على البرلمان، ورسالة إلى الراضي والأحزاب الممثلة في البرلمان لتسريع عقد الجلسة.
لو كنا في بلد تسير فيه الأمور بشكل طبيعي لما احتاج بنكيران ولا رئيس البرلمان المؤقت لأمر ملكي لكي تتشكل هياكل البرلمان مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات.
فالمغاربة الذين صوتوا في انتخابات سابع أكتوبر، التي تسمى انتخابات تشريعية وليست حكومية، صوتوا على ممثليهم داخل المؤسسة التشريعية لتشكيل البرلمان ولم يصوتوا على تشكيل الحكومة، وكانوا ينتظرون تشكيل مجلس النواب أولا، لأن البرلمان يمثل رمز الإرادة الشعبية الذي يراقب عمل الحكومة وليس العكس.
إن الحكومة لا تمثل الشعب أمام البرلمان، فيما البرلمان يمثل السلطة الشعبية أمام الحكومة التي تمثل السلطة التنفيذية، لذلك منحه الدستور سلطة تمثيل الشعب لمساءلة الحكومة ومراقبتها، بالإضافة إلى سلطة التشريع وتعديل القوانين التي تأتي بها الحكومة.
وفي كل دول العالم، تنبثق الحكومات من البرلمان وليس العكس، بمعنى أن الحكومة تنبثق بعد إفراز أغلبية برلمانية، لكن بنكيران ظل يعارض هذا المنطق بتركيز كل اهتمامه على تشكيل الحكومة ونسيان الغرفة الأولى للبرلمان التي منحها الدستور صلاحيات واسعة في العمل التشريعي والرقابي على الحكومة، وبذلك يكون بنكيران قد انتهك مبدأ فصل السلط، من خلال تدخله في انتخاب رئيس مجلس النواب، ناسيا أو متناسيا أنه رئيس سلطة تنفيذية، وهي مستقلة عن السلطة التشريعية وتستمد شرعيتها من البرلمان، لأن مجلس النواب هو الذي ينصب رئيس الحكومة من خلال التصويت على البرنامج الحكومي، كما له الحق في إسقاط الحكومة عبر ملتمس الرقابة.
لذلك فإن “بلوكاج” تشكيل الحكومة كان أمرا عاديا وطبيعيا، لأن بنكيران لم يحترم المسار الطبيعي للعملية الديمقراطية، وتجاهل إرادة الشعب التي عبر عنها في انتخاب مجلس النواب، وحاول فرض منهجية معاكسة لهذه الإرادة، مفضلا مصالح حزبه الضيقة والمصالح الشخصية لقادته الراغبين في الحقائب والدواوين الوزارية.
خلاصة الأمر أن يوم الاثنين سيكون حاسما في مسار تشكيل الحكومة، وسيجد بنكيران نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يرضخ للأغلبية كما ستظهر في البرلمان بعد التصويت على الرئيس، وإما أن يرفض الرضوخ وعندها سيكون عليه أن يقدم استقالته ويعلن فشله وينسحب بهدوء.
“واللي عندو باب واحد الله يسدو عليه”.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى