اللي خاف نجا
قررت السلطات العمومية، بناء على توصية اللجنة العلمية، تعليق جميع الرحلات الوافدة نحو المملكة لمدة أسبوعين، بسبب تفشي المتحور الجديد لكورونا والمسمى «أوميكرون»، خاصة في أوروبا وإفريقيا، وذلك من أجل الحفاظ على المكاسب التي راكمها المغرب في مجال محاربة الجائحة، وحماية صحة المواطنين. هذا القرار في حد ذاته دليل واضح على أن القضاء النهائي على هذا الفيروس ما زال بعيد المنال، وأننا كدولة حققنا الكثير من النجاحات في التخفيف من تداعياته الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية، لكن نحتاج إلى مزيد من القرارات الاستباقية لتحصين المكتسبات المحققة.
والحقيقة أن قرار السلطات بإغلاق الحدود أمام الوافدين ليس جبنا، وإنما هو تخوف مشروع يجعل السلطات العمومية تحسب خطواتها وتقدر التقدير الصحيح، لكي لا نعود إلى سياسة الحجر الصحي الشامل، فلا السلطات قادرة على تحمل تدبيره، ولا النظام الاقتصادي والاجتماعي يستطع توفير كلفته، ولا المواطن له القدرة المعنوية والمادية لمزيد من التقييد في معاشه وحريته الفردية والجماعية.
لقد بدا واضحا أن هناك حالة من الارتخاء أصابت الجميع، وظهر جليا التراجع المهول في السلوكيات الوقائية، وكأن «كوفيد- 19» مات ودفن، لكن هذا القرار جاء ليقول لنا إن الجائحة ما زالت تطبق على خناق العالم، وإن رهان كسب الحرب تجاه هذا الفيروس الفتاك يحتاج إلى معارك تلو معارك. لذلك من اللازم أن تستعيد السلطة والمجتمع حذرهما وتركيزهما، ويعود الجميع لتطبيق الإجراءات الاحترازية والتباعد بكل جدية، حتى لا نعود إلى نقطة الصفر، خاصة أن المتحور الجديد شديد العدوى، ولم تثبت بعد فاعلية اللقاحات في الوقاية منه.
وبدل أن يخوض البعض معركة وهمية تجاه التلقيح بدعوى حرية فردية أو مؤامرة ماسونية، فليس لنا من حل سوى بلوغ المناعة الجماعية وتلقيح معظم المغاربة، فقد تبين أن الخيارات الحيوية للمناورة مع الفيروس بكل متحوراته لا تخرج عن ثلاثة: الإغلاق الشامل، الالتزام الصارم بإجراءات السلامة مع التقييد الجزئي، والتلقيح على نطاق واسع مع هوامش كبيرة من التخفيف. لذلك فإن الفشل في تطبيق المناعة الجماعية يعني ارتفاع الإصابات وربما الوفيات، وإجهاد المستشفيات والإمكانات الصحية، بما يعني حدوث كارثة وطنية لا قدر الله.
لذلك أمامنا بعض الوقت لتقرير مصيرنا بأيدينا، وبطبيعة الحال القرار للسلطات لاتخاذ ما يلزم من القرارات والتدابير، لمنع العودة إلى الوراء.