شوف تشوف

الرأي

الله يسمح لينا من «الماستر»

يونس جنوحي
رقمان في المغرب لا يكفان عن الارتفاع. عدد الحاصلين على الماستر وجحافل الذين يقضون العطل بالخارج.
أما الماستر، فتعرفون جميعا الفضائح التي تتفجر بين الفينة والأخرى بخصوص التجاوزات والخروقات التي تعرفها عمليات الانتقاء وحتى مناقشة البحوث. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه سيصبح عدد الحاصلين على الماستر أكثر بكثير من عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية. هناك تضخم في الشهادات المغربية، وهذا الأمر يتحاشى كثير من الأكاديميين التطرق إليه، خصوصا أمامنا نحن الصحافيين في المحافل الرسمية. لكن بعيدا عن الأضواء، فإن عددا من الغيورين على التعليم العالي لا يفوتهم أن يسجلوا قلقهم بشأن مستقبل الشهادات العليا في المغرب. لقد كان الحصول على الماستر حدثا يُحتفى به في الجامعات ولا يبلغه إلا الذين يستحقون فعلا التعمق في الدراسات العليا، والذين يملكون فعلا نفَسا أكاديميا للتخصص في مسلك وتقديم الجديد فيه. أما اليوم فلا ترى في الدراسات العليا سوى فضائح تزوير النقط وفضائح جنسية في لوائح الانتقاء وفضائح أخرى في الامتحانات واللجان، وحتى مواضيع البحوث التي يُكتشف بين الفينة والأخرى أنها مسروقة.
هناك تخصصات لا تفتح أبوابها إلا في دجنبر، وتتوقف الدروس بها قبل أبريل، ويتكرر الأمر نفسه في السنة التي بعدها، وهكذا يجد أصحاب التخصص أنفسهم حاصلين على الماستر في أقصر مدة ممكنة، ولا يرون أساتذتهم إلا في مجموعات الفايسبوك التي يخلقونها للتواصل، يا حسرة، في ما بينهم. ولو قدر لكم يوما الدخول إلى مجموعة من مجموعات الماستر، سوف تصابون بالصدمة وسترون كيف أن الأساتذة والطلبة يقتلون اللغة تماما ويرتكبون مجازر في حق التواصل الأكاديمي.
في المقابل، هناك طلبة يمكن أن تفخر بهم المدرسة العمومية قدموا مباحث جديدة في تخصصاتهم العلمية والأدبية أيضا، وعانوا الأمرين لكي يصلوا إلى أعلى المراتب العلمية واستحقوا فعلا الحصول على درجة الماستر وانشغلوا بالدكتوراه، رغم الهشاشة ورغم المصاعب الاقتصادية وحتى الاجتماعية التي تحيط بهذا الموضوع. وهؤلاء هم أكثر المواطنين المغاربة تعرضا للظلم، لأنهم يجدون في الأخير أنهم قضوا زهرة حياتهم في محاولة التسلق إلى الأعلى في سبيل الحصول على دبلوم الدراسات العليا، ويكتشفون في الأخير أن الماستر لم يعد في مكانه، بل نزل إلى الأسفل لكي يعانقه ضحايا الأنظمة التعليمية العليلة.
ليست هناك علاقة طبعا بين ارتفاع أعداد الحاصلين على الماستر، وأعداد الذين يقضون العطل بالخارج، سوى بروزهما كظاهرتين تستحقان الدراسة.
كيف يتجه المغاربة، الذين تعتبرهم الحكومة طبقة متوسطة، فيما هم في الحقيقة مواطنون مغاربة يعانون الأمرين لتوفير لقمة العيش وادخار مبالغ لسرقة لحظات والاستمتاع بها لاحقا، إلى الخارج لقضاء العطلة، ويجدون فعلا أن قضاء عطلة في مدن مغربية سياحية يصبح أكثر تكلفة من التسكع في أرقى المناطق السياحية في أوربا.
على الأقل، في جنوب إسبانيا، لن تجد من يلاحقك بقرد ويجبرك على التقاط صورة معه، ولن يبيعك أحد عصيرا بثمن مصل لمرض نادر. وإذا أراد الرسميون معرفة أسباب عزوف المغاربة عن التعرض لمقالب السياحة المحلية وتوجههم صوب أوربا وأمريكا وآسيا لقضاء عطل بأقل تكلفة، عليهم أن يفتحوا تحقيقا في مشاكل الاستثمار في السياحة المحلية. لكن الخوف أن يكون هؤلاء الذين سيفتحون التحقيق حصلوا على الماستر إياه بالطريقة نفسها. وهذا طبعا موضوع آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى