اللقاء مع القاضي ابن عم الريسوني وقصة احتلال الشاون سنة 1920
ترجمة حصرية لمذكرات المغامِرة البريطانية روزيتا فوربس 3
يونس جنوحي
«الشاون لا تعرف وقتا ولا تقويما. وعندما دخلتها القوات الإسبانية في أكتوبر 1920، اكتشفوا أنهم قفزوا إلى الوراء وعادوا إلى القرن السادس عشر. واستقبلهم اليهود حُفاة وبرؤوس عارية، ويصيحون:
-عاشت الملكة إليزابيث الثانية! عاشت!
الشاون مدينة توحي بالغموض. موقعها، حيث توجد في عمق محاط بالجبال من كل جانب، يجعل رؤيتها غير ممكنة إلا بعد الاقتراب بخمسين ياردة من أسوارها.
قال لي السائق:
-لقد وصلنا.
نظرت باندهاش إلى الصخور وإلى المنحدرات القاحلة.
بعد لحظات بدت لنا قرية أمامنا، وبشكل ساحر، قفز أمامنا مشهد المنازل البيضاء الواحد تلو الآخر. منازل مسقفة ببلاط أخضر، تنزل كشلال بمحاذاة أشجار التين. كانت القلعة الكبيرة تحتل المشهد، وبدا أن الزمن عبث بها، وتنعكس فوقها أشعة الشمس، لتظهر أطلال إمبراطورية تداعت منذ زمن.
لقد تركنا القرن الثامن عشر خلفنا خارج البوابة ومعه السيارة التي لم يكن ممكنا أن تقلنا إلى الأمام. واصلنا المشي ومعنا عبد أسود البشرة، من زمن هارون الرشيد وأيام ألف ليلة وليلة، يحمل أمتعتي.
كانت النساء المنقبات يسترقن النظر من خلف الأبواب التي بدا أنها تفتح لأول مرة على الإطلاق.
كل قوس وكل نافذة نُحتا بشكل رائع ومختلف.
نادى المؤذن لصلاة الظهر من مسجد بقبة تبدو كقبة الرشيد في بغداد.
الأصوات تخفتُ، وأبواب المحلات التي تفوح منها رائحة المسك تُغلق. علماء الشاون، بلحاهم التي يخطها الشيب، ورائحة ماء الزهر الذي يخلل أصابعهم يفوح في الشارع، يتقاطرون بأثوابهم المتدفقة في شوارع الشاون في اتجاه المسجد.
أحد هؤلاء العلماء كان ابن عم الريسوني. وتم إخباره مسبقا واستعد لاستقبالنا.
قال القائد:
-لقد تم استدعاؤه إلى هنا للدفاع عن الشريف، في وقت كان بإمكانه أن يستمع إلى زقزقة العصافير.
مررنا بباب صغير، يعلوه فانوس مثل فانوس علاء الدين، قادنا إلى منزل القاضي.
كانت تزينه أقواس رقيقة مزخرفة بإتقان، تفضي إلى نافورة ترش ماءها على الشرفات.
استقبلنا مُضيفنا في غرفة بزينة متوهجة، وتعج بالأوراق.
فمه خال من الأسنان ولم يكن لديه إلا نابان فقط يتدليان من فمه. لكن منظره كان جميلا ووقورا.
كان يتحدث إلينا جالسا إلى مقعد جلدي بزخارف وألوان يتقاطع فيها الأصفر والأزرق والأحمر، مستندا إلى الجدار. وكما هي المحادثات الأولى، فقد كانت تتخللها لحظات صمت.
قال مضيفنا:
-الحمد لله، إنكم سوف تذهبون لرؤية الشريف. إنه رجل عظيم وآخر الرجال العظماء. ومعه سوف يتجاوز المغرب الكثير من المحن. لن تفهموا طريقته، وربما لن يتحدث إليكم أبدا. لكن، والله، إن دماغه يشتغل وهو ينظر إليكم. لا أحد يعرف في ما يفكر، لكنه يقرأ أفكار جميع الرجال. وهنا تكمن قوته.
أجاب مرافقي الإسباني:
-هذا صحيح، إنه خبير ماهر بخبايا النفوس.
أحضر أحد العبيد الأدوات واللوازم المعقدة لتحضير طقوس الشاي. كان يرتدي صدرية منكمشة تعكس ألوان الغرفة.
أشار مُضيفنا بحركة من يديه إلى رجل آخر بلحية يتخللها الشيب، وقام بتحضير الشاي بالنعناع بهدوء وانتباه شديد إلى التفاصيل. وقال لنا:
-الشريف يحب النعناع. إنه مُتعته الوحيدة. يجب دائما الاحتفاظ بكميات طرية من النعناع في منزله. وباستثناء هذا الأمر، فإنه لا يهتم بأي شيء آخر. ولا يرى أي جمال في أشياء أخرى، ولم يسبق له أبدا أن أحب شيئا أكثر من النعناع.
قاطعه أحدهم:
-ابنه سيدي محمد الخالد. لقد عرض ثروته كلها على أي أحد يستطيع إنقاذ حياته عندما كان مريضا بالحمى.
صدرت عن القاضي حركة اعتراض، وقال:
-إن ابنه يمثل عِرقه وأصله الشريف. لكن.. هناك لعنة..
-أي لعنة؟
بطريقة ما، لم تتم الإجابة عن السؤال. وُزعت علينا الحلويات. قدمت لنا قنينات طويلة من العطر، لكي نرش بها ملابسنا، ولم يشر أحد مرة أخرى إلى اسم الريسوني.