اللعب بالنار
اشتعلت في الآونة الأخيرة مواجهة حادة داخل مواقع التواصل الاجتماعي، بين جمهوري الرجاء والوداد، استعملت فيها كل الأسلحة اللفظية العنيفة من سب وقذف ووعيد. ولا شك أن تاريخ الفريقين بريء من هذا التجييش والعنصرية والتنمر والعنف اللفظي الذي يجري بين جمهور الغريمين، خاصة المتعصبين والعنصريين من الطرفين الذين لم يستطع نبل كرة القدم أن يؤثر في سلوكهم العدواني المقيت.
والغريب في الأمر هو هذا الصمت المريب بين الساهرين على الفريقين، الذين يدركون أن منشورا واحدا على صفحة فيسبوك أو التراسل الداخلي للواتساب قد يكون مفعوله بمثابة مدفع رشاش يتسبب في قتل وجرح العشرات بين الجمهورين، فيما دور كرة القدم والرياضة عموما هو تهذيب السلوك، وخلق جسور التعارف والتلاقي بين الجماهير، دون أن يمس بحقهم في تشجيع فريقهم ودعمه بكل الطرق الأخلاقية للفوز بالألقاب.
وعلى الرغم من أن الغرض من صفحات الفرق الكروية، كان هو سرعة دمج وتواصل مكونات الجمهور في ما بينهم إلكترونيا، إلا أن بعض الصفحات التابعة لفريقي الرجاء والوداد وكل الفرق الأخرى، أضحت أخيرا تخرج عن مقاصدها وتتحول إلى تهديد أمني حقيقي بسبب سوء استخدامها من طرف بعض المتعصبين الذين لا يتوانون في بث الكراهية والعنف، الذي يحتاج فقط فرصة واقعية ليتحول إلى مواجهات دامية، لن تقف عند تعصب كروي.
والحقيقة أن رقعة التعصب الكروي، التي بدأت تتمدد داخل جماهيرنا، رقعة لو استمرت ستنتج عنها كوارث في المجتمع، وعلينا مواجهتها بكل قوة من خلال التثقيف والتنشئة في الأندية، كما يجب أن يتحلى الإعلام بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية بعدم شحن الأجواء والجماهير وتجييش العواطف قبل وبعد أي مواجهة رياضية، فكثير من هذا الشحن كلّف ضحايا وإصابات وأضرارا جسيمة.
وقبل أن تنفلت الأمور من عقالها أو بالأحرى أنها انفلتت بعض الشيء، لا بد أن يتدخل القانون والقضاء، مع تطاير الاتهامات وتبادل خطاب المس بالسلامة الجسدية، والتهديد بالعنف. والحل من بين حلول أخرى لإيقاف اللعب بالنار وجر البلد إلى المجهول، خصوصا في سياق اجتماعي صعب، هو تطبيق القانون بكل صرامة وعدم التسامح مع الصفحات التي تؤجج المواجهة والعنف، فهناك شرطة إلكترونية وأمن سيبراني لا بد أنهما يتابعان الأمر عن كثب، ويقدران حجم التداعيات الأمنية لبعض المتعصبين المستعدين لجر البلد للفوضى بسبب بطاقة حمراء أو هدف أو بطولة لن تسمن جائعا ولن تغني فقيرا ولن تشفي مريضا ولن تعلم أميا ولن تشغل عاطلا.