شوف تشوف

الرأي

اللامساواة الصحية آخر اكتشافات المجتمعات الغربية

توفيق رباحي
دفنت بريطانيا عددا لا يستهان به من الأطباء وأعضاء سلك التمريض العاملين في هيئة الصحة العامة، راحوا ضحية وجودهم في الصفوف الأمامية في الحرب على فيروس كورونا. أغلب هؤلاء الضحايا، وفق إحصاءات موثقة، ينحدرون من أقليات عرقية غير بيضاء.. من نيجيريا إلى هونغ كونغ، مرورا بليبيا والسودان إلى العراق فأوربا الشرقية والهند وباكستان. هذا «التفوق في الموت» فتح المجال لأسئلة كثيرة جديرة بأن تُطرح.
صحيفة «الغارديان» نشرت يوم 24 من الشهر الجاري تقريرا تضمن لوحة كبرى مكونة من عشرات الصور والأسماء، لعاملين في هيئة الصحة العامة قضوا بفيروس كورونا. كان عمل الصحيفة إخباريا توثيقيا، لكن في عمقه رسالة عرفان لهؤلاء الضحايا وتعاطف مع ذويهم. من الصور والأسماء، يتأكد أن الأغلبية المطلقة داكنو البشرة شرقيو (بالمعنى الواسع) الملامح والأسماء. أغلبهم يبتسمون في حياء وعيونهم تهرب من عدسة الكاميرا.
بينما قالت الحكومة إن 49 من موظفي هيئة الصحة العامة توفوا أثناء ممارسة عملهم منذ بداية كورونا، قالت «الغارديان» إنها أحصت 112 من التقارير الإخبارية وحدها، مرجحة أن العدد أكبر من ذلك.
عمدة لندن، صادق خان، المنحدر هو الآخر من أقلية مسلمة آسيوية، اشتكى في مقال نشرته الصحيفة ذاتها في التاسع عشر من الشهر الجاري من «المَظلَمة التي تلاحق أعضاء السلك الطبي المنحدرين من الأقليات»، ودعا الحكومة إلى النظر في المشكلة بجدية أكبر. ذكر خان رقما لافتا: 40 في المائة من الدكاترة و20 في المائة من سلك التمريض في هيئة الصحة العامة، ينحدرون من أقليات.
في فرنسا يقف كثير من أبناء المهاجرين والأطباء الأجانب في الصفوف الأمامية في الحرب على كورونا. وقد استغرب كثيرون أن أغلب أعضاء الفريق العامل مع الباحث الشهير ديديي راوولت في مختبره بمرسيليا، الذين وقفوا في استقبال الرئيس إيمانويل ماكرون أثناء زيارته إلى المكان، ينحدرون من دول إفريقية كانت سابقا مستعمرات فرنسية.
في فرنسا أيضا، يواجه أبناء الأقليات بنسبة أعلى من غيرهم خطر الإصابة بالفيروس، ومرشحون أكثر من غيرهم لتحمل آثاره الاقتصادية والاجتماعية. الإعلام الفرنسي بدأ يحذر من «انتفاضة الجوع» في مناطق المهاجرين التي تطوق المدن الكبرى، مثل سين ساندوني قرب باريس (صحيفة «لوفيغارو» 25 أبريل 2020) التي تشهد أعلى معدلات الوفيات بالفيروس في البلاد.
وقد لا يختلف الوضع في أمريكا وإيطاليا وإسبانيا، إنْ في المستشفيات أو خارجها.
إذن، بعد المظالم الاقتصادية والاجتماعية والوظيفية، ها هو العالم يكتشف اللامساواة الصحية. ولسوء الحظ، ضحايا المظالم الاجتماعية والاقتصادية التقليدية، هم ذاتهم ضحايا المظالم الصحية في زمن الأوبئة وكورونا.
قبل تكشف الأرقام، دافع مؤسس مايكروسوفت، رجل الأعمال الأمريكي بيل غيتس، عن فرضية أن الفقراء يشعرون بالمعاناة من فيروس كورونا أكثر من الميسورين، ويدفعون الثمن أغلى. واستقر لدى منظمة الصحة العالمية أنه كلما كان المصاب ميسورا تراجعت حدة معاناته من الإصابة وارتفعت فرص نجاته منها. والعكس صحيح للفقراء، والذين يعيشون حياة اقتصادية واجتماعية صعبة. حتى لو انتهى المطاف بوفاة الفقير والغني معا بكورونا، فالأرجح أن رحلة وصول كليهما إلى الموت كانت مختلفة اختلاف أحدهما عن الآخر في مستوى المعيشة، أثناء وجودهما على قيد الحياة.
تعيد المنظمة هذا الاعتقاد إلى كون الأقل حظا في هذه الحياة يراكمون في داخلهم أمراضا عضوية ونفسية وعقلية، حتى وإن لم تنكد عليهم حياتهم اليومية، تبرز بسرعة إذا تسرب فيروس «كوفيد- 19» إلى جسم صاحبها لتسهل عليه المهمة. وبعد الإصابة، بكورونا (أو بغيره) تكون حالة المصاب أكثر تعقيدا. في المقابل، يجعل نمط حياة الأغنياء فرص إصابتهم أقل، وبعد حدوثها يحصل الغني على رعاية صحية مختلفة عما يتلقاه شخص ينتمي إلى أدنى درجات السلم الاجتماعي، قد تكون نتيجتها نجاة المصاب إذا كان محظوظا كفاية.
هناك حقيقة لا يجب إغفالها: تَصَدر أبناء الأقليات قائمة ضحايا كورونا بين العاملين في السلك الطبي في الغرب، هو واقع وظيفي يمتد من واقع اجتماعي أكبر. في حياتهم اليومية يعيش أبناء الأقليات، في الأغلب، وضعا ماديا واجتماعيا صعبا. في بيوتهم يعيش كثيرون منهم التكدس وضيق المساحات. في الأوساط التعليمية والجامعية، هناك في كل بداية كل موسم حديث يتكرر عن أبناء الأقليات والملونين ونصيبهم من الفشل ومن المقاعد في الجامعات، من عدمه. في عالم الشغل يواجهون مصاعب أكثر في العثور على وظائف. وعندما يحصلون على وظائف، يكون رضاهم بالمعروض عليهم أكبر من غيرهم، وتكون شكاويهم قليلة ونادرا مستجابة.
حتى في ظروف تفشي فيروس كورونا، أوردت تقارير بريطانية أن العاملين في احتكاك مباشر مع المصابين، أقل شكوى، مقارنة بالآخرين، من ظروف العمل القاسية ومن قلة تجهيزات الوقاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى