كشفت معطيات رسمية، صادرة ضمن مذكرة الحسابات الجهوية للمندوبية السامية للتخطيط، أن مساهمة جهة “الدار البيضاء-سطات” في خلق الثروة الوطنية تبلغ حوالي الثلث (32,2%) من الناتج الداخلي الإجمالي الوطني؛ في حين ساهمت كل من جهتي “الرباط-سلا-القنيطرة” و”طنجة-تطوان-الحسيمة” في خلق الثروة الوطنية بأكثر من الربع (26,4%) بـ15,9% و10,5% على التوالي. وبلغت مساهمة جهة درعة-تافيلالت وجهات الجنوب الثلاث، مجتمعةً، نسبة 7,7% في خلق الناتج الداخلي الإجمالي بالقيمة، ممثلة 2,8% و4,8%.
خلف هاته الأرقام الدالة تقف حقيقة مؤلمة تتعلق باللاعدالة واللاتوازن بين جهات المغرب، ليس على مستوى المساهمة في الثروة فقط، بل كذلك الاستفادة من الخدمات العمومية. فرغم تضخم الخطاب السياسي والقانوني المسجل في ما يتعلق بتقليص التفاوتــات الجهويــة، إلا أنهــا تظــل غائبة بقوة على مستوى الواقع وآثارهــا منعدمة فعليا.
وللأسف فإن حدة التفاوتــات الجهوية لا تقتصر على إنتاج الثروة والمساهمة في الناتج الداخلي الخام فحسب، بل يظهر ذلك، أيضا، في التفاوت الصارخ من حيث التوفر على البنيات التحتية والموارد المالية والبشرية القادرة على الارتقاء بالجهات الفقيرة أو التي تم إفقارها لعقود نتيجة تراكمات تدبير الفاشلين من المعينين والمنتخبين.
وإذا استثنينا جهات الدار البيضاء والرباط ومراكش، فإن باقي الجهات، سيما جهات درعة والشرق وبني ملال، تواجه إكراهــات متعــددة فــي مجال الاستثمار والسياحة والتعليم والصحة والتشغيل، بل إن مناطق في تلك الجهات المقصية تعاني أضعافا مضاعفة بسبب غياب المساءلة والمحاسبة وقساوة الطبيعة وما يتصل بها من جفاف ووعورة تضاريس، ما ينعكس مباشــرة علــى قدرات تلك الجهات في خلق الثروة والاستفادة منها.
والحقيقة، التي لا يمكن لأحد تجاهلها، هي أن كل الأحلام الوردية والنوايا الحسنة حول تحقيق العدالة المجالية وبناء ركائز الدولة الاجتماعية التي وردت في توصيات النموذج التنموي أو البرنامج الحكومي والبرامج الانتخابية، لن يكون لها أي أثر على مستوى الواقع، ما لم تتخذ تدابير وإجراءات فعلية لرفع الحگرة عن بعض الجهات وتقليص هيمنة جهات بعينها، بما يسمح بتوزيع عادل ومتوازن للثروات البشرية والطبيعية المتاحة، وكذا الخدمات والاستثمارات بين مختلف المناطق.