شوف تشوف

الرأي

الكيف والجواسيس

يونس جنوحي

هناك حقيقة مغيبة تتعلق بموضوع تقنين زراعة القنب الهندي، إذ تم التعامل مع «الكيف» كما لو أنه سر من الأسرار أو أنه لم يكن معروفا إلى اليوم. بينما كانت هذه النبتة واحدة من «المغريات» التي تأتي بالأجانب إلى المغرب.
ونشرت «كرايمريدز»، البوابة المتخصصة في الأدب العالمي، أخيرا، ما يشبه سيرة مختصرة للكاتب الأمريكي «ويليام باير»، وهو للإشارة ما زال على قيد الحياة في عقده الثامن. هذا الأخير كتب عن قصص الحرب العالمية الثانية، وترجمت أعماله الأدبية من الإنجليزية إلى عدة لغات.
وحسب ما نقلته هذه السيرة الذاتية، فإن هذا الكاتب قام بإعداد جل قصص روايته بمدينة طنجة، حيث عاش بين أهلها لفترة خلال ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان صديقا للكاتب الأمريكي الشهير «بول بولز»، ورفض أن يقيم في الفنادق مثل بقية السياح، وسكن إلى جوار الطنجاويين الحقيقيين. إذ شد انتباهه منظر السكان المحليين وهم يدخنون على الطريقة المغربية في مقاهي المدينة العتيقة الضيقة، حيث يمتزج دخان نبتة «الكيف» مع أصوات مذيعي الراديو الإسباني.
اهتمام هذا الكاتب الأمريكي بفترة الحرب العالمية الثانية، وهو الذي كان يافعا خلالها، جعله يركز على قصص الذين عاشوها، حيث تعرف على بعضهم في مدينة طنجة، إذ حكوا له عن ذكرياتهم مع الحرب العالمية وكيف اضطرت أسر كثيرة إلى مغادرة طنجة، والعودة إما إلى أمريكا أو إلى أوروبا، بسبب تأثر المدينة الدولية بالأزمة الاقتصادية في العالم.
نقلت البوابة التي عرفت بأعمال الكاتب «باور» ما معناه أن هذا الكاتب صار اليوم منسيا تقريبا في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن العودة إلى سيرته كافية لحث المهتمين على اقتفاء أثره والذهاب إلى طنجة، للوقوف على المناخ الذي أبدع فيه جل أعماله الأدبية، التي تناول فيها قصص الحرب والخيال العلمي وعالم الجواسيس والجرائم.
قد لا يرى البعض رابطا بين مدينة طنجة القديمة، بهدوئها ومساجدها وأضرحتها ومنازلها الوديعة، وبين الإثارة والغموض وأجواء الحرب العالمية الثانية. والحقيقة أن هناك خيطا رفيعا بين العالمين، فوق أرض واحدة، وهو ما نجح هذا الكاتب الأمريكي في جمعه في أعماله الأدبية.
في رواية «ظلال بحجم المدينة» لـ«كريغوري بوبيان»، والتي صدرت سنة 2015، ظهر هذا الوجه من مدينة طنجة، والذي استثمره هؤلاء الكتاب الأجانب وتأثروا بمدرسة «بول بولز» أثناء تناولهم، سواء لتاريخ مدينة طنجة الدولية، أو لتجربتهم الفردية تحت سمائها وبين أناسها.
يحدث كل هذا في وقت لا يوجد اهتمام كاف بالشأن الثقافي في هذه المدينة، التي تدين لها الثقافة العالمية بالكثير. إذ إن أجواء طنجة كانت وراء بروز أسماء عالمية في الأدب والسينما والمسرح، وتستحق فعلا أن تصبح قبلة ثقافية تشد إليها الرحال.
لكن المشكل يبدأ عندما يصل هؤلاء الناس إلى مدينة طنجة، ليجدوا أمامهم أن الأجواء التي نقلتها الروايات العالمية قد تغيرت، ولم يبق منها إلا دخان الكيف الكثيف المنبعث من بوابات المقاهي. إذ إن الأنشطة الثقافية على قلتها وتواضعها، لم يعد يحضرها أحد.
إذا عدنا مثلا إلى أعمال «ويليام باير» نجد أن القصص والمغامرات التي كتب عنها والمشاهد التي رسمها بالكلمات عن مدينة طنجة، تصلح لأن تكون دليلا سياحيا كافيا لاستقطاب السياح إلى هذا البلد. أما الكاتب الأمريكي «بول بولز» الذي قرر الاستقرار بها طيلة حياته، والذي لا يعرف أبناء اليوم من يكون، فقد قال عنها في أحد أعماله: «هناك حقيقة درامية بخصوص شخوص هذه المدينة. طنجة كانت مكانا، حيث يعد كل شخص أمامك من بين أربعة أشخاص إما جاسوسا، لاجئا، أو تاجر مخدرات».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى