أخطر ما تشهده إيران هو أنها أسست نظاما سياسيا في أعقاب ثورتها في 1979 يقوم على وجود كيانات موازية لمؤسسات الدولة، فهناك المؤسسات المدنية المنتخبة وهناك المؤسسات الدينية، وهناك الجيش الإيراني وهناك الحرس الثوري.
واعتادت إيران أن تجد تباينا بين توجهات المسؤولين في «الكيانات الأصلية»، أي المؤسسات المدنية المنتخبة، وبين قادة الكيانات الموازية، فمثلا تصريحات رئيس الجمهورية حول التظاهرات الأخيرة أقرت بوجود أخطاء، وحق الناس في أن تتظاهر دون أن تلجأ إلى العنف، وفي الوقت نفسه رفض التدخلات الخارجية.
أما قائد الحرس الثوري فقد صرح، مُعلقا على المظاهرات الحالية بالقول: «إن العدو يشن مؤامرة على إيران، وإن بلاده ستنتقم»، وقال للمحتجين: «اليوم آخر يوم للنزول إلى الشارع».
يقينا، خطاب المؤامرة موجود في بلاد كثيرة، وخاصة في الشرق الأوسط، وكثير من القادة الإيرانيين، بمن فيهم بعض الرؤساء الإصلاحيين، استخدموا هذا الخطاب، ولكنهم في الوقت نفسه تحدثوا عن مشاكل اجتماعية وسياسية، وأقروا بأخطاء تحدث، في حين أن قادة الكيانات الموازية اختزلوا مشاكل إيران في المؤامرات الخارجية، دون أي إشارة إلى السلبيات الداخلية.
تجربة البلاد التي شيدت كيانات موازية كانت نتيجتها كارثية، وأسست لنظم تعاني مشاكل كثيرة، حتى لو عرفت مجتمعات حية وفاعلة مثل إيران، فمثلا العراق لا يزال حتى اللحظة عاجزا عن بسط سيطرة الدولة على الميليشيات وحصر السلاح في أيدي مؤسساتها، ولا تزال الكيانات الموازية (الميليشيات) تمتلك قوى مسلحة موازية لمؤسسات الجيش والشرطة تُصَعبُ من الأوضاع في العراق.
أما المظاهرات في إيران فقد عكست أزمة عميقة في بنية النظام الإيراني ليس بسبب المظاهرات في ذاتها، التي يمكن أن نجدها في أي مكان، ولا بسبب قمعها، فهو يحدث في دول شمولية كثيرة، إنما في عدم قدرة المؤسسات المدنية على تلقف المطالب الإصلاحية والاستجابة إليها، ولو جزئيا، وذلك بسبب وجود كيانات دينية موازية لديها حصانة باسم الثورة والعقيدة، تُحول أي صراع سياسي إلى صراع بين حراس الدين والعقيدة والثورة الإسلامية وبين الخارجين عن الدين والعقيدة، وعملاء أمريكا وغيرها.
إن الكيانات الموازية في أي مجتمع تمثل أزمة، وتتحول إلى مُعطل حقيقي للتقدم، خاصة إذا وعدت أنصارها بمجتمع مثالي على الأرض وجنة في السماء، ورفضت المحاسبة أو النقد.
إن أزمة حكم الكيانات الموازية لا تقتصر فقط على محاولة هندسة حياة الناس والتدخل في ملبسهم ومأكلهم، والتمييز ضد المرأة والأقليات، وكراهية الفن والإبداع، إنما أيضا القهر السياسي، لأن إقامة نظام حكم قائم على «الحصانة» باسم الدين أو الثورة، أو باسم الاشتراكية أو الوطنية، نتائجها في الواقع كارثية، حتى لو كانت هذه الكيانات لا تحكم بمفردها ولديها شريك مدني، كما في إيران، فالنتيجة واحدة: بالسالب.
عمرو الشوبكي