الكوارث البشرية
بينما يدفن أبناء المناطق المنكوبة بالفيضانات أبناءهم ويلعق المصابون جراحهم تنشغل الحكومة بموضوع صندوق التعويض عن ضحايا الكوارث.
نعم المغاربة مستعدون لدفع نصيبهم من ضريبة للتعويض عن الكوارث، فالمغاربة متضامنون في ما بينهم ولولا تضامنهم لمات أغلبهم جوعا ومرضا
ولكن المغاربة لا يريدون أن يدفعوا من جيوبهم لتسديد أخطاء بشرية يقوم بها مسؤولون يقصرون في أداء مسؤوليتهم.
ندفع ضريبة التضامن مع ضحايا الكوارث نعم لكن نريد كذلك أن نرى المسؤولين عن هذه الكوارث يساقون إلى السجن حتى يتعلم من سيأتي بعدهم أن الاستهتار بأرواح وسلامة المواطنين يقود مباشرة نحو فقدان الحرية. “ماشي المسؤول يفرط والمواطن يكرط”.
ومن كثرة الكوارث التي حلت بهذا البلد تحولت الحكومة إلى ما يشبه “دار لعزو”، كل ما نسمعه من فم رئيسها وناطقها الرسمي هو “البركة فروسكم وعظم الله أجركم”، حتى صرنا لا نعرف هل نحن أمام حكومة أم خيمة عزاء.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه دافعو الضرائب تقديم مسؤول واحد للمحاسبة بسبب فاجعة ملعب الموت بدوار تيزرت بتارودانت والتي ذهبت بأرواح ثمانية مواطنين، ها نحن نرى كيف يبحثون لتعليق المسؤولية في هلاك 14 مسافرا في واد دمشان نواحي الرشيدية على مشجب سائق الحافلة.
لنكن واضحين، سائق الحافلة يتحمل مسؤولية تقصيرية، لأنه شاهد أن منسوب مياه الوادي مرتفع والتيار جارف، ومع ذلك تهور وحاول قطع القنطرة، وتسبب تهوره وعدم تحليه بالمسؤولية في هلاك أرواح بشرية.
لكن السائق ليس وحده من يتحمل مسؤولية هذه الكارثة الإنسانية، بل يتحملها معه مسؤولو الحوض المائي الذين يتوفرون على معطيات مضبوطة تتعلق بارتفاع أو انخفاض مستوى مياه الوادي، هذه المعطيات كان يجب أن تتوصل بها مصالح وزارة التجهيز لكي تعمل إلى جانب مصالح السلطة المحلية على وضع حواجز تمنع مرور العربات أو الراجلين عبر تلك القنطرة، كما يحدث في المناطق الجبلية عندما تتهاطل الثلوج فيقطعون الطرقات أمام حركة السير. يعني بالعربية تاعرابت المسؤولين كان “خصهم يقطعو الطريق باش ما يدوز حد، حتى ولو جا شي شيفور مطنك وبغا يغامر بحياة عباد الله ما عندو كي يدير يدوز”.
هل قام الحوض المائي ووزارة التجهيز والسلطة المحلية بهذه العملية بعد علمها بالنشرة الإنذارية المحذرة من ارتفاع منسوب مياه الوادي؟ لا أعتقد.
لذلك فهم أيضا مسؤولون عن هلاك كل تلك الأرواح. وعليه يجب على هؤلاء الذين “ينحطون” بالدموع و”التنخصيص” في الحكومة أن يتوقفوا عن ذلك وأن يطبقوا القانون وأن يقدموا المسؤولين عن هذه الكارثة، وكارثة ملعب الموت قبلها، للمحاكمة والمحاسبة، فأنتم حكومة ولستم “عزايا”.
نعم صحيح ما قاله الشوباني رئيس جهة درعة تافيلالت عندما كتب “الله يهدي العباد”، في إشارة إلى المسؤولية التي يتحملها المواطنون في ما يحدث لهم، لكن السي الشوباني مسؤول أيضا عما يحصل في جهته وليس بالدعاء وحده سينقذ المواطنين من الكوارث.
وطبعا هذا لا يلغي مسؤولية المواطن في ما يحدث له، فلسنا من حملة شعار الدولة هي السبب دائما، فالمواطن أيضا مسؤول، وأول شيء يجب أن يتحلى به المواطن هو المسؤولية وعدم التهور والكف عن إلقاء نفسه نحو التهلكة، وأن يتعلم طرح أسئلة وجيهة عندما يكون أمام طريق مقطوعة أو واد هائج :
“واش المهم هو نوصل للخدمة ولا المهم هو نبقا حي؟ واش المهم هو نوصل للمدينة اللي أنا مسافر ليها ولا المهم هو نوصل بالسلامة؟”.
نقول ذلك لأننا أصبحنا نتعايش مع ظاهرتين مغربيتين بامتياز هما التهور والغريزة الانتحارية لدى السائقين والمغاربة عموما، والاستهتار من جانب المسؤولين بالقوانين.
ومشكلتنا الكبرى، مسؤولين ومواطنين، أننا لا نتعض ونغرق في الوادي نفسه مرتين، مع الاعتذار لهرقليتس على هذا التحوير الذي يفرضه الاستثناء المغربي.
وأذكر أنه في سنة 2010 عاشت مدينة بوزنيقة كارثة وطنية عندما جرفت مياه وادي صيكوك 26 شابا وشابة كلهم مستخدمون في شركة فاليو، بعدما سقطت الحافلة التي تقلهم من فوق القنطرة في الوادي.
هذه الكارثة الوطنية أعطت درسا لم يستفد منه أحد وهو أن التهور وعدم تقدير العواقب يؤدي إلى المصائب.
فما الذي حدث أمام قنطرة وادي صيكوك سنة 2010؟
حمل الوادي بسبب التساقطات وأصبح عبور القنطرة مجازفة حقيقية، وصلت حافلة المستخدمين الأولى ورفض السائق عبور القنطرة فأوقف الحافلة ونزل المستخدمون. جاءت الحافلة الثانية وقرر سائقها، بإلحاح من المستخدمين الخائفين من الوصول متأخرين للعمل، أن يعبر القنطرة. وعندما لاحظ مستخدمو الحافلة الأولى الواقفون على الطريق أن الحافلة الثانية ستقطع القنطرة التحقوا بها وصعدوا إليها، وبمجرد ما وصلت الحافلة إلى منتصف القنطرة جرفتها المياه ووقعت الكارثة.
فكم مرة يجب أن نغرق في الوادي نفسه لكي نتعلم أن حفظ النفس هو أهم شيء، أهم من الوصول في الوقت وأهم من يوم عمل؟