حسن البصري
لا تملك الأندية المغربية خلايا للأزمات، كل ما تملكه حين تقع النكبات فوق الرؤوس، تعزية باللون الأسود في الصفحة الرسمية، وفي أحسن الأحوال قراءة دقيقة صمت في مباراة تبدأ بالخشوع وتنتهي بالاحتجاج على الحكام.
لا تملك الفرق المغربية سوى حافلة تنقل رفاق الفقيد إلى المقبرة، وحفل تأبين قد تتحمل نفقاته إدارة النادي إذا كان الراحل من الصنف الثاني، وتصبح مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين راعية للتأبين عندما يكون الفقيد بطلا من الصنف الأول.
لا تملك الفرق المغربية سوى نداءات فايسبوكية لجماهيرها، تدعوها للتوجه لمراكز تحاقن الدم والمساهمة في المجهود التضامني، لمواجهة آثار زلزال الحوز المدمر.
لم تخرج عصبة مراكش لكرة القدم عن القاعدة، اكتفت بتعزية بحبر أسود، ودعت اللاعبين والمدربين والمسيرين والحكام والمندوبين إلى الانخراط في حملة التبرع بالدم، وظلت تتابع ما يحصل في مجال ترابها بقلق كأيها الناس. في إقليم الحوز المنكوب، ظل فريق أمل آيت أورير، الممثل الوحيد للإقليم في القسم الوطني الثاني هواة، يبحث عن فسحة أمل حين ضاقت به السبل، قبل الزلزال أرسل الفريق نداءات استغاثة لكنها كانت مجرد صيحات في واد.
فقد الفريق مدربه عنترة، واسمه الحقيقي ابراهيم بن حاجة، مات في ليلة «أخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها»، شيعه اللاعبون وساروا خلف جثمانه، قبل أن يتركوا حصصهم التدريبية ويتحولوا إلى متطوعين في مباريات البطولات الإنسانية.
ضرب الزلزال فريق أطلس أمزميز، وانتشرت المآسي بين أسر اللاعبين والمؤطرين والمسيرين، وتحول الملعب المترب إلى ملاذ للهاربين من الدمار، بينما تحولت ملاعب القرى المكلومة إلى باحة للاستراحة الأخيرة للجثث الملفوفة في بطانيات قبل دفنها.
ولأن الكرة جزء من حياة أبناء هذه المناطق المتضررة، فقد ظهر أطفال ناجون من دمار الزلزال، وهم يرتدون قمصان المنتخب وبعض الأندية المغربية، أحدهم فقد أسرته بالكامل ووجد نفسه فجأة يتيما مهزوم الوجدان يطالب بفريق يؤمنه من خوف ويطعمه من جوع.
في غمرة وخز الضمير الجماعي، ألسنا أحوج إلى تحرك رؤساء فرق لا يترددون في دفع ملايين الدراهم لجلب لاعب مطلوب من الصفحات الوهمية، ولا يجدون حرجا في دفع أتعابه بالملايين إذا خانته قدماه وأخطأ الوجهة صوب المرمى. وحين نادى المنادي «أنقذوا إخوانا لنا تحت الأنقاض» بحثوا في جيوب الجماهير عن دعم، ووعدوا بتخصيص مداخيل المباراة القادمة لدعم ضحايا الزلزال.
سيظل الجمهور الرياضي هو الداعم في النكبات، بالدم وبالمال وبالمساعدات، وسيعلن الرؤساء في بلاغاتهم الرسمية، عن دعم سخي للضحايا وسيركبون موجة التضامن.
إعادة إحياء الفرق الرياضية المكلومة في بؤر الزلزال، جزء من إعمار المنطقة وسبيل لإعادة الحياة إليها، ودعم العصبة الجهوية لكرة القدم ولرياضات أخرى جزء من جهود التضامن الذي يتجاوز البطاطين والخيام والمواد الغذائية، ليصل إلى الأمتعة الرياضية التي تصنع فرحة الأطفال وتمسح دموعهم. صحيح أن الحاجة اليوم إلى فرق الإنقاذ أكثر من حاجتنا لفرق الكرة، لكن الرياضة جزء لا يتجزأ من مشاريع الإعمار، حتى لا يتسلل الزلزال إلى قاموس دعوات الشر.
حين يتربص بنا زلزال نتلقى أمرا بالخروج من منازلنا وأن ننبطح أرضا عند الضرورة، عكس وباء كورونا الذي حكم علينا بالاعتقال تحت الحراسة النظرية، وفي الحالتين معا يصبح التضامن الوطني المعبر المؤدي إلى الانفراج، برصيد كاف من العزيمة، كلما استحضرنا زلزال أكادير تراقصت أمام أعيننا الكلمة المعبرة التي قالها الملك محمد الخامس مخاطبا همم أهل سوس: «لئن حكمت الأقدار بخراب أكادير فإن بناءها موكول إلى عزيمتنا وإرادتنا». مع إمكانية استبدال أكادير بالحوز دون أن يتغير المضمون.