شوف تشوف

الرأي

الكرة.. وزيرة الخارجية

حسن البصري
قبل أن يستحم لاعبو المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة ويزيلوا عنهم عرق النهائي، بعث الملك محمد السادس برقية تهنئة لهم بعد ظفرهم بكأس الأمم الإفريقية، التي احتضنتها مدينة العيون. كان العاهل المغربي يعرف جيدا المغزى من الفوز بكأس قارية في حاضرة الصحراء، ويعي أكثر من غيره حجم الضرر الذي ينتاب خصوم وحدتنا الترابية وهم يشاهدون ما فعلته الكرة في وجدان الصحراويين الذين لبسوا قمصان المنتخب ورددوا أمام فضائيات العالم النشيد الوطني واستحضروا رائعة جيل جيلالة «لعيون عينيا».
مهما حاولت الجزائر وشقيقتها في الرضاعة السياسية حث المنتظم الكروي القاري على إبعاد التظاهرة من العيون، وبالرغم من المحاولات اليائسة للتشويش على إنفانتينو والدفع به نحو نفق السياسة، إلا أن النجاح كان حليف الدورة على المستوى السياسي أولا والرياضي ثانيا والاجتماعي ثالثا.
ضرب الجزائريون كفا بكف وهم يراهنون على فشل التظاهرة وحاولوا عبثا نشر ثقافة الانسحاب في نفوس المشاركين، وتقديم صورة أخرى عن العيون واعتبروا أنفسهم ذاك الحاجب الذي لا تعلو عليه الرموش.
أحد المنظمين قال إن الكرة تستطيع أن تصنع في تسعين دقيقة ما تعجز عن صنعه مؤتمرات وبيانات ومشاورات تدوم سنوات. لهذا تستحق الكرة أن تحمل اسم وزيرة فخرية للخارجية وقد تجمع بين الديبلوماسية والداخلية مادامت تحقق السلم الاجتماعي.
وكتب طبيب منتخب أنغولا على صفحته الفايسبوكية ما مفاده: «العيون مدينة ساحرة أبحث عن بؤرة نزاع فلا أجدها، رجال المينورسو أراهم في المدرجات يشجعون اللاعبين، الكرة تجمعنا». وقالت رئيسة البعثة المصرية عن العيون ما لم يقله رواد الشعر الحساني عن حاضرة الصحراء، اشهد يا شيخنا الأغظف.
لكن لا بد من وجود أشخاص يركبون صهوة المجد في مثل هذه المناسبات، فقد كتب أوشن، المدير التقني للمنتخبات الوطنية، على صفحته في تويتر: «نجني ثمار عملنا تأهل المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة لكأس العالم.. هنيئا لنا جميعا». تقاطرت على الرجل مئات التهاني من بلاد الغال، واعتقد الرجل أن أول الغيث قطرة عرق، والحال أنه أغضب لاعبي ومسيري كرة القدم داخل القاعة في أول ندوة صحافية عقدها مباشرة بعد تعيينه في هذا المنصب، إذ لم يخصص لهذه اللعبة ولو كلمة واحدة، حتى قيل إنه تعامل معها كلعبة مصغرة فعلا.
فوز المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة، وحصوله على لقب بطولة إفريقيا، يهم سكان مدينة القنيطرة، عاصمة «الميني فوت» التي انتبهت لجدوى هذه اللعبة وعرفت مقاهيها إبرام صفقات بيع فرق بأثمان تفضيلية، بل إن محكمة المدينة شهدت أطوار قضية بيع فريق انتهت باعتقالات.
تداوي «بور ليوطي» أحزانها بالكرة وتفرغ شحنات غضبها في مصب نهر سبو، وكلما ضاق الحال بشبابها يركضون خلف الكرة المصغرة، ويمارسونها بعشق تاريخي راسخ منذ ظهور أجاكس، الفريق الذي كان ينوب عن المنتخب في غاراته الخارجية.
صناع ملحمة العيون يؤمنون بأن فرقا أخرى ستظهر للوجود في الصحراء، وأن العدوى ستمسك بتلابيب الشباب، فانتصارات الكرة هي بلسم كل الجراح الغائرة، وهي المرهم القادر على إخفاء كدمات الزمن الجائر الذي قلص المسافة بين الحياة وإرادة الحياة.
ولأن الكرة محشوة بالسياسة، فإن الصدف شاءت أن يكون مدرب المنتخب المغربي هشام الدكيك حاصلا على الإجازة في العلوم السياسية عارفا بتضاريسها، أما عميد المنتخب المغربي عادل هبيل فهو حاصل على شهادة الإجازة، بوظيفة خليفة تابع لوزارة الداخلية، بمعنى أن الداخلية والخارجية تتحالفان من أجل منتخب بطعم ديبلوماسي.
بالأمس صنع منتخب ضعاف البصر أفراحنا وعاد من الكاميرون بكأس إفريقيا، واليوم حمل منتخب كرة القدم المصغرة لواء الزعامة الإفريقية من العيون، أحيانا يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر والبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى