شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

الكرة والنقابي

حسن البصري

حين دخلت النقابة عالم الكرة لم يكن القصد منها خلق تنظيم جماعي لأفراد يمارسون مهنة واحدة، ولم تكن الغاية منها الدفاع عن حقوق اللاعبين والمدربين والنهوض بأحوالهم الاجتماعية وتحسين ظروف وشروط اشتغالهم. لم تكن هيئة ينظمها القانون ويرأسها زعيم يدين له الكوايرية بالولاء، بل كانت النقابة عبارة عن تكتل داخل الملعب يتحول إلى حلف متحكم في الفريق.

كانت النقابة في الملعب لا خارجه، وكان زعيمها في الغالب هو عميد الفريق الذي يملك خيوط المجموعة ويتحكم فيها، وكل وافد جديد يعاني من الاغتراب قبل أن يدين لهذا العميد بالولاء والطاعة ويغرد داخل سرب المتحكمين في تشكيلة الفريق وفي نتائجه.

حين تسأل لاعبا مغربيا عن نقابة زمان فإنه يختزلها في التكتلات والأحلاف التي يعرفها الفريق، بين تيار يمثل لاعبين من صلب النادي وآخر يمثل فئة اللاعبين المستوردين وثالث يناصر لاعبي الأنابيب. لكن في زمن الاحتراف والعقود وغرفة المنازعات ووكلاء اللاعبين سقطت النقابة بالتقادم وذابت الخلافات وألغيت الحواجز بين «ولد الفرقة» وولد «الزنقة».

في زمن مضى كان اللاعبون يختارون رئيس الفريق وفق ديمقراطية القاعدة تحكم ولا تسود، في الجموع العامة للأندية يأخذ عميد الفريق الكلمة ليحسم جدل الرئاسة، تشرئب له الأعناق ويسود الصمت فضاء القاعة قبل أن يعلن عن الاختيار النهائي للاعبين إما بتزكية الرئيس أو بإسقاطه، حصل هذا قبل أن يزحف المنخرطون على الجموع العامة ويحولوا قاعاتها إلى مختبرات لصناعة رؤساء قابلين للترويض.

نقابيو الكرة ليسوا في حاجة للانخراط في هيئة نقابية، ولا يتحمسون لخطب النقابيين في عيد الشغل، ولا يترددون على مقرات هيئات ومنظمات الشغيلة لشحن المعنويات، ولا يؤمنون إلا بالحوار الاجتماعي في «غروب واتس أب» يفضي إلى العصيان.

اليوم يعرف لاعب الكرة الطريق إلى غرفة المنازعات ومكاتب المفوضين القضائيين أكثر مما يعرف الطريق إلى مرمى الخصم، يملك كاريزما النقابي ويضرب بقبضة يديه على مكتب الرئيس مطالبا بحقوقه دون أن يكون بالضرورة لاعبا أساسيا في التشكيلة.

بين إضراب اللاعبين وإضراب الشغيلة مسافة طويلة، فاحتجاج عشيرة الكرة لا يتجاوز وقفة عصيان في حصة تدريبية، ولا يصل مهما كانت الظروف حد الاحتجاج على غلاء الأسعار ولا يعفي من الكلام أو الطعام، بل إن نقابي الكرة لا علاقة له بالنضال ولا صلة تربطه بهموم الشارع وانشغالاته.

في زمن العقود الدسمة وطيب عيش اللاعبين والمدربين الذين فاقت رواتب العديد منهم رواتب أعضاء الحكومة، أصبح نقابي الكرة أشبه بدلفين أملس يمارس هوايته في القفز العكسي في حوض السباحة الهائج من الكذب والنفاق والتدليس، من تحت الماء ومن فوقه.

لهذا يسقط الزعماء النقابيون في امتحانات الكرة، وحين يجلسون على كرسي الرئاسة ترمي بهم نتائج الفريق بعيدا عن الملاعب. لقد كان زعيم نقابة الاتحاد المغربي للشغل، المحجوب بن الصديق، عاشقا للرجاء لكنه لم يقترب من كرسي الرئاسة، لأنه كان يعرف أن جماهير الكرة لا تصفق إلا لنجم سجل هدفا أو حارس أنقذ هدفا أو لاعب غالط خصما وأرداه عليلا.

في الضفة الودادية كانت هناك وجوه نقابية من «ليمتي» أبرزها عبد القادر السملالي أحد قيادات نقابة الكهربائيين، ومؤسس بطولة النقابة، إلا أن هذا الأخير لم يخترق مكتب الوداد الذي كان محصنا ملقحا ضد النقابيين، وحده عبد الرزاق أفيلال، الزعيم السابق لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، تمكن من الجلوس على كرسي رئاسة الاتحاد البيضاوي، قبل أن ينتهي به المطاف على كرسي متحرك.

في بلادنا ليس من حقك كمنخرط أعزل أن تتطلع إلى منصب زعامة، فهو مثل مقاعد الأتوبيس مخصص لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى