الكرة والكمامة
حسن البصري
تعيش إيطاليا حالة قلق بعد أن اخترق فيروس كورونا ملاعب الكرة، وأصدر في حقها قرارا بإجراء مباريات «الكلاشيو» بدون جمهور، أمام مدرجات فارغة وحراس يضعون على خياشيمهم كمامات طبية، وبرر وزير الرياضة الإيطالي قرار «الأبواب الموصدة» بالفيروس المتربص بتجمعات المتفرجين.
وأعلنت رابطة دوري كرة القدم في اليابان تأجيل كافة المباريات في البلاد حتى 15 مارس، حتى لا يجد كورونا فرصة للانتشار، بينما الحكومة اليابانية تفكر جاهدة في تأجيل الألعاب الأولمبية المقرر إقامتها في طوكيو، علما أن «الفيفا» أنشأت خلية أزمة لمراقبة مدى تربص هذا الوباء بـ«الكوايرية».
حين قرر المغرب رفض احتضان دورة كأس أمم إفريقيا 2015، استشاط عيسى حياتو، رئيس «الكاف»، حينها، غضبا وطلب من سكرتيره المغربي هشام العمراني التحري في نازلة التأجيل بسبب وباء «إيبولا»، ولأن هشام ليس طبيبا فقد كتب تقريرا أنهاه بسؤال: كيف نؤجل عرسا كرويا بسبب ثلاثة منتخبات تعيش بلدانها تحت زحف الوباء؟
أعلن حياتو «الفيتو» على قرار الحكومة المغربية، وتمرد على تقارير منظمة الصحة العالمية، واعتبر قرار تأجيل دورة إفريقية «دخولا في الصحة»، وأوضح استحالة تأجيل حدث رياضي بسبب قضاء وقدر. بل إن «الكاف أضفى على مواعد هذه التظاهرة قدسية رهيبة، وتبين أن عيسى، الذي انتخب رئيسا لـ«الكاف» في بلادنا، يسخر من بيان للحكومة المغربية عنوانه «اللي خاف نجا»، وحاول أن يوهمنا بأن التأجيل «رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون».
لم تكن الأوبئة قادرة على تأجيل مباريات الكرة في القارة الإفريقية، وحدها الانقلابات العسكرية هي التي امتلكت هذه السلطة، حيث كان بمقدور انقلاب فاشل أن يمسح مواعد رياضية مهما كانت درجة أهميتها، فحين ينطق الرصاص تصمت صفارة الحكام.
حين ألغى المغرب تنظيم كأس إفريقيا للأمم، استند إلى تقارير منظمة الصحة العالمية، وإلى نشرات تؤكد أن الفيروس كان وديعا ولم يكن فتاكا إلى درجة حصد 4500 قتيل. لكن للكرة معارك مع الأوبئة، فقد كانت أنفلونزا الخنازير تحجز لنفسها مساحة في الصحف الرياضية، بعد أن تم الكشف عن إصابة لاعب نادي سوشو الفرنسي الجزائري الأصل إسماعيل بودبوز، وأصيب أربعة لاعبين من نادي موناكو بالوباء خلال معسكر تدريبي في فيشي وسط البلاد، ونقلت قصاصات الأنباء أخبارا عن إصابات هنا وهناك بفيروس الخنزير، حينها تم تطبيق «حظر التجول» في ملاعب الكرة.
الآن يمكن للجنة البرمجة في أي بلد، أن تخضع المباريات للتأجيل أو تجريها دون مناصرين، أو تلغيها أو تعبث بها دون أن يشحذ النادي أقلامه للرد على اللجنة أو يتطاول عليها، فالوباء أشد خطرا من تنظيم «داعش»، ومن شغب الملاعب ومن «كلاشات» الجماهير والمعارك الضارية في ساحة التواصل الاجتماعي.
أمام زحف كورونا سنكتشف أن صحة أبنائنا أهم من نتيجة مباراة في كرة القدم، وسنقف على تفاهة أنديتنا التي لا تتوفر ضمن أطقمها الطبية على طبيب مختص في الأوبئة، بل وسنعلم أن بيع الكمامات الطبية سيصبح مدرا للرزق في جوانب ملاعبنا، بعد أن ظلت لوازم الحماية الصحية آخر مقتنيات جمهور الكرة، الذي يكتفي في أحسن الأحوال بواقٍ من الشمس.
ذات يوم تكلف وكيل أعمال لاعبين مغربي «الأصول التجارية»، أوربي الجواز، بجلب اللاعب الإفريقي روجي ميلا إلى المغرب قصد الترويج لحملة اكتتاب لمكافحة داء السيدا، اعتذر النجم الكاميروني عن الزيارة في آخر لحظة، واكتفى برسالة نصية قال فيها: «أعتذر عن الحضور بسبب نوبة زكام، كما اعتذرتم عن تنظيم كأس إفريقيا بسبب الخوف من تسلل داء إيبولا، والأعمار بيد الله».