شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الكراهية الدينية وحرية التعبير

بشير البكر

مقالات ذات صلة

 

الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة إلى النبي محمد، وحرق نسخ من القرآن الكريم، يتجاوزان حرية التعبير عن الرأي، إلى تعميم نمط جديد وخطير من ممارسة الكراهية الدينية التي أصبحت أكثر البضائع رواجا في سوق اليمين الأوروبي المتطرف، والمدخل الأساسي للوصول، سريعا، إلى الحكم. قد يعتقد رسام الكاريكاتير أنه يمارس السخرية البريئة من مقدسات المسلمين ورموزهم الدينية، من دون نية إلحاق الضرر بهم، إلا أن هذه المقاربة في جميع الأحوال، سطحية وغير مسؤولة، سواء تعلق الأمر بمقدسات المسلمين أو غيرهم، لأن هذه المقدسات لا تحتمل السخرية، أو العبث بها. ومن دون شك مهدت الطريق لما يحصل في السويد منذ بداية العام الحالي من حرق لنسخ من المصحف، من أشخاص معروفين بالانتماء إلى اليمين المتطرّف، وكارهي الإسلام والمسلمين، وكانت البداية في يناير الماضي أمام السفارة التركية بستوكهولم، على يد زعيم حزب «الخط المتشدد» الدنماركي راسموس بالودان الذي يحمل الجنسية السويدية، والذي مارس الفعل الشنيع نفسه عشرات المرات ما بين السويد والدنمارك، مع فارق في السياق العام، الذي يتسم بارتفاع منسوب العنصرية وجرائم الكراهية في كل أوروبا، حيث أخذ متطرفون في السويد وبلدان أخرى مثل هولندا والدنمارك يمارسون هذا الطقس بكل حرية، وبحماية من السلطات الرسمية، الأمر الذي قد يقود إلى ردود فعل غير محسوبة، ليس من المستبعد أن تؤدي إلى توليد عنف مجتمعي.

يجيز القانون السويدي لجميع المواطنين التعبير عن آرائهم بحرية. ويمكن لأي كان أن يحرق أي كتاب مقدس، وهذا حق مضمون في الدستور، ولا يجيز الإساءة لمجموعة من الناس بسبب دينها، أو لونها، أو جنسها، أو عرقها، ومعتقداتها. ويبرز هنا التناقض واضحا حينما يتعلق الأمر بحرق نسخ من القرآن، والسبيل السليم إلى وضع المسألة في نصابها، أن يعتبر دستور السويد وغيرها حرق نسخ من القرآن إساءة للمسلمين، وخصوصا أن من يقوم بذلك عنصريون متطرفون هدفهم إيذاء مشاعر المسلمين، وبالتالي، تصنيف هذه التصرفات في عداد الجرائم ضد الإنسانية. وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، الثلاثاء قبل الماضي، ويعتبر حرق الكتب المقدسة خرقا للقانون الدولي. وهذا لا يعفي الدول من مسؤولياتها في هذا الصدد، وخصوصا أن أغلبها سنت قوانين تجرم الاعتداء على رموز الديانة اليهودية، وتُنزل عقوبات قاسية بحق مرتكبيها.

ليست ثقافة الكراهية ضد المسلمين حكرا على جماعات اليمين المتطرف في أوروبا، بل هي منتشرة على نطاق واسع بين المسلمين أنفسهم، وشهد العراق وسوريا ولبنان خلال العقد الأخير ممارسات وحروبا ذات صبغة طائفية. ويعد المتطرف العراقي سلوان موميكا الذي حرق نسخة من المصحف والعلم العراقي في السويد، نتاج هذه الحالة التي عرفها العراق، فقد كان قائد فصيل ينتمي إلى «الحشد الشعبي» ذي الممارسات الطائفية، التي تتواصل ضد مكون من طائفة أخرى. ويعد هذا إحدى نتائج الاحتلال الأمريكي للعراق، الذي وضع دستورا مشوها يعتمد على المحاصصة، وليس المواطنة، التي تقوم على الحقوق والواجبات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى