«الكالة».. دقائق لذة خرافية وسرطانات قاتلة
نورا أفرياض
يدرك جيدا المتاجرون في مخدر «الكالة» أنه يحقق أرباحا طائلة، كما أن مروجيها يتعرضون لعقوبة أقل بالمقارنة مع المتاجرين في باقي المخدرات. والخطير أن تجار الموت يمزجونه بمواد ضارة من قبيل الإسمنت والتراب والزجاج لتزداد كميتها وترتفع قيمة أرباحهم. هذا بالرغم من أن «الكالة» نفسها تضم موادا سامة. «الأخبار» غاصت في حيثيات الإدمان على مخدر «الكالة» واستجوبت مدمنيه وخرجت بحقائق صادمة.
لا يخطر على بال الكثيرين أن سبب تسمية مخدر «الكالة» بهذا الاسم ناجم عن أن استخدامه لأول مرة يجعل متعاطيه يتمايل ولا يستطيع المشي بثبات لذلك يحتاج إلى دعامة ما (كالة، كما يصطلح عليها بالدارجة) ليستند إليها ليظل واقفا بشكل مستقيم. ومن هنا جاءت تسمية هذا المخدر. وحسب المدمنين عليه، فهو عبارة عن مسحوق «النفحة» المكون من التبغ. ويتصف برائحة الفليور القوية، بينما يؤكد آخرون أن مخدر «الكالة» الحقيقي هو نبات عشبي معمر فقد بريقه ليقتصر الاستخدام على مسحوق «النفحة» فقط. يلف مسحوق التبغ وسط قطعة صغيرة من منديل ورقي «كلينكس» أو «النيبرو» ويوضع بين الشفة السفلى واللثة ويوضع في مناطق أخرى سنتطرق إليها بالتفصيل في معرض هذا التحقيق.
يخلط مخدر «الكالة» مع اللعاب ليمتص الجسم مادة النيكوتين ويستشعر متعاطيه نشوة واهية ولذة سرعان ما تزول. الأمراض الخطيرة الناجمة عن إدمان مخدر «الكالة» غالبا ما تفتك بمدمنيها وإن كان الأمر يتم ببطء شديد.
لذة زائلة
مدمنو «الكالة» يعترفون بأنه بعد مرور سنتين من الإدمان عليها تصبح عادة مدمرة يحكمها الوهم بعدم القدرة على الإقلاع عنها. تختفي النشوة التي يخلقها امتزاج النيكوتين مع اللعاب وتستمر الأمراض السرطانية الناتجة عنها تنخر في الجسم حتى لو توقف مدمنو «الكالة» عن تعاطيها.
في درب «الجران» بالمدينة القديمة بالبيضاء، التقت «الأخبار» بخالد. هذا الشاب المدمن على مخدر «الكالة» لسنوات قبل البوح بتفاصيل صادمة حول هذا الموضوع حتى يكون عبرة لكل شاب طائش قرر خوض مغامرة الإدمان طواعية وسقط في براثنه.
يقول خالد إن مخدر «الكالة» يغزو المغرب عبر الجزائر التي تعد مصدر هذا المخدر. قبل سنوات من الآن، كان التعاطي لـ «الكالة» يكون عبر دسها بين أصابع القدمين. وهناك من يقوم بجرح المنطقة ليشعر بلذة أكبر. والأغرب وفقا للمتحدث نفسه هو وضع بعض المدمنين «الكالة» بمنطقة الإبط وذلك في البوادي وخاصة في المناطق الجبلية. المتحدث نفسه أشار إلى أن «الكالة» توضع أيضا بالمنطقة الموجودة خلف الركب. والغريب أن مدمني المخدر المذكور، يعون أن وضعه بمنطقة اللثة بالفك العلوي تؤدي إلى الإصابة بالإمساك ووضعها بمنطقة اللثة بالفك السفلي تصيب بالإسهال. وهذا راجع لإرادة المدمن وهو من يحدد الطريقة التي يرغب بها. سعر أكياس «الكالة» لا يتجاوز 10 دراهم لكمية تتراوح بين 50 و60 غراما. يمكن لهذه الكمية أن تستعمل 15 مرة كحد أقصى. تعاطي «الكالة» يعطي إحساسا بلذة زائلة وشعورا بسعادة يفقدها المدمن بعد مرور سنتين على إدمانه لها لتصبح وهما ومجرد عادة يصعب الاستغناء عنها ولو أنها لم تعد تترك أي تأثير على الدماغ. علاوة على سهولة الحصول على «الكالة» لتداولها في أوساط المدمنين، وهو ما يسميه مدمنو هذا المخدر بـ «نجيب الكاو». ويبدأ مفعولها في السريان بعد مرور 30 ثانية فقط، يؤكد بأسى المتحدث ذاته.
لوبي عنيد
حسب الحسن البغدادي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات، فإن «الكالة» هي نوع من المخدرات وتعرف أيضا باسم «الشتوكية» وتستخلص من مادة طابا. يتم وضعها في ورق الترشيح الناعم (كلينكس) ثم يضعها مستهلكها في الفم تحت اللثة أو بينها وبين الشفة السفلى أو العليا وتترك لمدة تفوق 10 دقائق كما أنها توضع تحت الابط وبين أصابع الأرجل وحتى عند الفرج بالنسبة للإناث.
البغدادي أضاف أنه قبل وضعها بالمكان المستهدف تبلل «الكالة» بقليل من النبيذ أو ماء الحياة وفي غيابهما بقليل من الماء حيث تطلق مواد كيميائية تتسرب إلى الأوعية الدموية فتجد هذه المواد طريقها إلى الدماغ فتعمل هناك على تحفيزه لإنتاج مادة الأدرينالين بكميات كثيرة فيحس الشخص بشعور أشبه بالسعادة أو النشاط الزائد. وفي الأيام الأولى من استعمالها يشعر الشخص بغثيان في المعدة وغالبا ما يتقيأ وذلك بسبب مادة طابا الموجودة فيها التي تتسرب إلى المعدة مع الريق فتقوم الأولى برد فعل طبيعي للتقيؤ لهذا يلاحظ البصق المستمر عند مدمني هذا المخدر. وفي حالة عدم أخذ الجرعة اليومية يلاحظ عند الشخص المدمن انتفاخ واحمرار في العينين وتغيير نسبي في الصوت والغضب السريع وانعدام التركيز. ويتسبب الإدمان في الإصابة بالسرطان، كما يؤدي تعاطي «الكالة» إلى ظهور رائحة كريهة دائمة في الفم.
الفاعل الجمعوي ذاته يرى أن «الكالة» تبقى بديلا للسجائر لرخص سعرها بحيث قد تكفي 5 دراهم لشراء كمية تغطي ثلاثة أيام من الاستهلاك المتوسط ناهيك عن مفعولها الذي يلجأ إليه الشخص للانتقال من الوعي إلى اللاوعي نظرا لسهولة تعاطيها وخاصة داخل الفصل أو خارجه بالنسبة للمتمدرسين، حسب المتحدث ذاته الذي أشار إلى أن المراحيض تعد من بين أحد أهم مراكز التجمع عليها.
هذا المنتوج يباع في محلات بيع التبغ بكل حرية فيما كميات كبيرة من هذه البضاعة المخربة للعقول والأبدان تتدفق علينا من الحدود الشرقية وخاصة المعروفة بـ «الشتوكية»، حيث ترتفع نسبة استهلاكها كلما توجهت نحو شرق المملكة، وفقا لتصريحات رئيس الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات.
ويرى البغدادي أن «الكالة» كغيرها من المنتوجات المخدرة التي يعمد مروجوها إلى تنويعها لا تقل خطورة عن مثيلاتها فعواقبها الوخيمة تشمل الصحة بكل جوانبها سواء منها الجسدية أو النفسية أو العقلية. فأما على المستوى الأول فتجلياتها واضحة من خلال ما تسببه من سرطانات قاتلة لمستهلكها خاصة للفم واللثة والشفاه. وفي ما تعلق بالصحة النفسية فهي تحدث فتورا في العلاقات الاجتماعية وفقرا وجدانيا وانفعاليا وشعورا بالخمول يضعف أداء الجهاز التنفسي والتناسلي والعصبي برمته. وبالنظر إلى الصحة العقلية فإنها تتأثر كثيرا عند مستهلك «الكالة» بحيث لا تساعد القدرات العقلية لدى المدمن على التفكير السليم وتصبح صيرورة اتخاذ القرارات التي تحتاجها متطلبات الحياة اليومية والمستقبلية قاصرة تماما لا يمكن التعويل عليها حتى في ما يتعلق بالبسيط منها. ويكشف الفاعل الجمعوي أن الفئة التي نسجل لديها النسبة الأكبر في التعاطي لـ «الكالة» هي فئة البالغين الذين يتعدى سنهم الأربعين سنة، لكن هذا لا يعني أن الفئات الأخرى غير معنية، بل إن الآفة آخذة في الانتشار والتوسع إن على مستوى السن أو الجنس، حيث بدأت تغزو أوساط فئة الأطفال والمراهقين والشباب بالمؤسسات التربوية بكل مستوياتها وفروعها مما يشجع على هذا الانتشار الخطير بالأساس، غياب الصرامة الكافية للتصدي لترويجها وبيعها باعتبارها أقل خطورة كما يتصور البعض ولهذا فإننا نجدها تباع في الأسواق العامة دون حسيب ولا رقيب خاصة بالجهة الشرقية.
«إن الحد من الظاهرة يتطلب القيام بتحمل المسؤولية الملقاة على كل واحد منا لأن التراخي الذي نلاحظه يشهد بقوة على غياب وعي حقيقي بالمسؤولية وبتبعات المعضلة على الفرد والمجتمع»، يقول الحسن البغدادي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات، مضيفا أن ذلك يؤشر على «ضعف الإرادة السياسية التي لا تضع صحة المواطن ضمن أولوياتها. فهاهو القانون غائب وغير مفعل لمدة تصل إلى ربع قرن من الزمن، وهاهي النخب السياسية لا نجد في برامجها ما يشير إلى أدنى اهتمام بالموضوع والمجتمع المدني لا يستطيع فعل الشيء الكثير لغياب الإمكانات المادية واللوجيستية بالنظر إلى حجم تغلغل هذه الجائحة في المجتمع ووجود لوبي عنيد يغرر بفلذات الأكباد من قعر بيوتنا على مرأى ومسمع من الجميع فبدون مقاربة شمولية يتحمل فيها كل فاعل مسؤولياته فلنتوقع أخطارا داهمة قد تنسف بمشروعنا المجتمعي من أساسه».
سرطانات قاتلة..
مقابل دقائق لذة وهمية يوفرها تجار الموت، يجد مدمنو «الكالة» أنفسهم عرضة لأفتك السرطانات. ومع ذلك لايستطيعون التخلي عن هذا الإدمان القاتل الذي يسير بهم نحو الدمار وصوب مستقبل حالك.
أكدت دراسات أجريت على مخدر «الكالة» أنه يضم موادا سامة ومسرطنة «تسبب سرطان اللسان واللثة، ما يسهم في تشقق مينا الأسنان، وبالتالي تسرب الميكروبات إلى باقي أجزاء الجسم عبر تكون بؤر صديدية تصيب بوجه خاص الكلى والمفاصل، بمعنى الإصابة بالحمى الروماتيزمية. زيادة على كون النيكوتين وأول أوكسيد الكربون يفتكان بالقلب ما يؤدي إلى قصور في الشريان التاجي والذبحة الصدرية. ويلي ذلك تلف أنسجة القلب وسرعة في معدل خفقانه. تأثير النيكوتين يؤثر كل التأثير على الجهاز الهضمي مسببا ضعف الشهية زيادة على الإمساك والإسهال وكذا الغثيان».
وتجدر الإشارة إلى أن صنوف مخدر «الكالة» المتداول في أوساط الشباب مغشوش، لمزجه بمواد ضارة من قبيل الزجاج، التراب، الإسمنت، وغيرها. هذا دون إغفال السموم الموجودة أصلا في المخدر المعني.
هذه عقوبة استيراد المواد السامة والاتجار فيها وإمساكها واستعمالها
حسب ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.73.282 بتاريخ 28 ربيع الثاني 1394 (21 ماي 1974 ) يتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات، وبتغيير الظهير الشريف الصادر في 12 ربيع الثاني 1341 ( 2 دجنبر 1922 )، بتنظيم استيراد المواد السامة والاتجار فيها وإمساكها واستعمالها والظهير الصادر في 20 شعبان 1373، ينص الفصل الأول على أنه «يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة يتراوح قدرها بين 5.000 و50.000 درهم. كل من خالف مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 12 ربيع الثاني 1341 ( 2 دجنبر 1922) بتنظيم استيراد المواد السامة والاتجار فيها وإمساكها واستعمالها حسب ما وقع تغييره وتتميمه أو مقتضيات النصوص التنظيمية الصادرة بتطبيقه والمتعلقة بالمواد المعتبرة مخدرات والمدرجة في الجدول (ب)، ما لم يشكل الفعل إحدى الجرائم الأكثر شدة المنصوص والمعاقب عليها بالفصول الآتية». أما الفصل الثاني، فيشير إلى أنه «يعاقب بالحبس من خمس إلى عشر سنوات وبغرامة يتراوح قدرها بين 5.000 و500.000 درهم كل من استورد أو أنتج أو صنع أو نقل أو صدر أو أمسك بصفة غير مشروعة المواد أو النباتات المعتبرة مخدرات». وبالنسبة للفصل الثالث من القانون ذاته، فإنه «يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة يتراوح قدرها بين 5.000 و500.000 درهم : كل من سهل على الغير استعمال المواد أو النباتات المذكورة بعوض أو بغير عوض إما بتوفير محل لهذا الغرض وإما باستعمال أية وسيلة من الوسائل؛ كل دكتور في الطب سلم وصفة صورية تساعد الغير على استعمال المواد أو النباتات المعتبرة مخدرات؛ كل من عمل على تسلم المواد أو النباتات المذكورة بواسطة وصفات طبية صورية أو حاول العمل على تسلمها؛ كل من كان على علم بالصبغة الصورية التي تكتسيها هذه الوصفات وسلم بناء على تقديمها إليه المواد أو النباتات المذكورة ويرفع الحد الأدنى للعقوبة إلى خمس سنوات إذا كان استعمال المواد أو النباتات المذكورة قد سهل على قاصر أوعدة قاصرين يبلغون من العمر 21 سنة أو أقل، أو إذا كانت هذه المواد أو النباتات قد سلمت طبق الشروط المنصوص عليها في المقطعين 1 و4 أعلاه.