شوف تشوف

الرأي

القومية والتنوير الإنساني

 

 

بقلم: خالص جلبي

 

كتبت بحثا حول الذات والموضوع أقول فيه إنني لست تحريريا ولا إخوانيا، لست سلفيا ولا خلفيا، لست فقهيا ولا صوفيا، لست حزبيا ولا مشايخيا، لست رجعيا ولا تقدميا، لست بعثيا ولا قوميا، لست ناصريا ولا نصرانيا، لست عروبيا ولا كرديا ولا عجميا، لست علمانيا ولا إسلاميا، لست شيعيا ولا سنيا. أنا إنساني على دين إبراهيم حنيفا مسلما، دينا قيما وما كنت من المشركين.

فكان جواب كردي لم يعرف بنفسه التالي: «لماذا الكرد ملاحقون دائما بمناسبة وبدونها؟ ليتك لم تذكر الكرد في مقالك يا أستاذ خالص. أنت لست عروبيا ولا كرديا، هلا تجرأت وقلت: لست عربيا ولست كرديا، ولماذا تصنف الكرد مع الفاشست؟ أرى فيكم إنسانا طيبا للغاية، ولكن يبدو أن اللاوعي والتربية البعثية يبقى أثرها طويلا، رغم محاولات التخلص منها ومحاربتها، دفعت قلمك النبيل إلى ظلم الكرد، رغم فكرك ودوافعك الإنسانية النبيلة التي لا أشك في صدقها وإخلاصها».

وفي كل مرة أكتب فيها للتحرر نحو الإنسانية وتنظيف الدماغ من الوباء القومي، يطالعني كردي يغني: «بيجي بيجي كردستان»، إنها حساسية مرضية مضرة حذرنا منها النبي، بأنها نتنة فدعوها.

وفي صالة القناطر في مونتريال وقف الشيوعي رياض الترك، يتبرأ من الشيوعية وأشياعهم، ويدعو إلى الحرية، فخرج كردي يزعق: «بيجي بيجي كردستان». 

ولي صديق كردي كتب مقالة من التراث الكردي بعنوان «جرطك وفرطك»، خلاصتها أن ثعلبا ضحك على أسد فقال له: لو ربطناك بحبل هل أنقذت نفسك؟ فانتفخ الأسد مزهوا، وقال: افعل من فورك! فربط الثعلب الأسد إلى جذع شجرة بإحكام، فلما حاول رئيس الضواري الفكاك، عجز وزأر بدون كبير فائدة! هنا جاءت الفرصة لجرطك لينتقم، ويهوي على رأسه بهراوة معدة خصيصا لدرس من هذا اليوم. فلما انتفخ رأس الأسد الغضنفر من الخبطات الممتازة، توسل إلى فأر يدعى فرطك أن ينقذه، فقرض الحبال وهرب الثعلب وهرب الفأر، وفي الأخير هرب الأسد؛ فغابة من هذا النوع يربط فيها الأمور جرطك، ويفكها فرطك لا تعاش وجنة من هذا الضرب لا تداس.

وأراد الأخ الكردي بهذه القصة أن ينقل مأساة الشعب الكردي، عبر قصص من تراثه، ويحق له ذلك. 

ولكن في مقالته ذهب إلى الزعم أن حريق عامودة للأطفال الأبرياء «وقع في سينما بمدينة صغيرة، في الشمال الشرقي من سوريا، في أيام الوحدة المشؤومة الناصرية عام 1958، احترق فيها أكثر من 200 طفل»، كان خلفه القوميون التعساء «العروبيون!».

والتعاسة هي للاثنين عربا وكردا، حين يحترق أطفال أبرياء بقصور وإهمال شرقي، كما حدث في سينما «عبادان»، ولم يكن هناك عرب وكرد وتركمان. 

ويجب أن نقول على هذا المنطق إن حرائق غابات اليونان خلفها قوميون، وانهيار سد زيزون خلفه مؤامرة قومية، وطوفان نوح جاء لخلاص الأكراد.. والعقل المعتقل بالوهم والبارانويا يمكن أن يتخيل كل شيء. 

إن المسألة باختصار هي العدالة… 

والأكراد والعرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، يهربون من مناطق الكرد والعرب والعجم .. من العراق وكردستان، ومن تركيا وخوزستان، من سوريا وتركمانستان، من فلسطين وعربستان إلى كندا، وبلاد الفرنسيس ونيدرلاند وأرض الجرمان … 

بسبب العدالة.. 

علينا إذن ونحن المرضى أن نغني دوما، بيجي بيجي كردستان وعربستان وتركستان وخوزستان وأفغانستان ولبنان.  

والعجيب وقوفك على عروبي، وأنني لم أكتب عربيا، ألا تراها حساسية أشد من حقول الفول لتلاميذ فيثاغورس، والربو من غبار طلع كندا والقصيم؟ 

وهب أنني كتبت عربيا وليس عروبيا، هل كنت ناجيا من الملامة من حساسية مرضية من هذا النوع، أشد من البنسلين القاتل؟ 

يا قوم افتحوا عيونكم وتخلصوا من هذا العفن.

إنها نتنة دعوها وتخلصوا منها، وادعوا إلى الإنسانية.

ثم وأنا الذي سجن في أقبية مخابرات البعث أربع مرات، وطحنوا عظامي وأسناني، خرجت بقلمك الوهاج تزعم أن في دمي كريات حمراء بعثية، ألا ترى أنك مرضت من مرضهم كما مرض الصهاينة من النازية والفاشية، فتنتقل عدوى الجاني إلى الضحية؟ 

هل يمكن أن أفتح لك عينيك المغمضتين، وأقطر لهما قطرتين فتشفيان من هذا التراخوما؟ 

ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فكان كرديا. 

ولو شققنا الأرض فتحدثت بأخبارها باللغة الكردية… 

ولو أنطقنا الأنبياء جميعا فقالوا إننا جميعا أكراد.

ولو أيقظنا من مراقد الموتى البشر، فقالوا إن الأرومة والسلالة البشرية كلها كردية… 

فسوف نغني إلى الأبد مع حافظ الأسد ومن شايعه من البارزاني والطالباني والقهقواني، بيجي بيجي كردستان وبعثستان…

في كندا جرت العادة أن المواطن الأسود إذا قطع الطريق خطأ، أو فعل مخالفة، أن يتهم الجميع أنه مظلوم مضطهد محارب، وأن الشرطة الكندية ضد السود وأن القانون الكندي صنع ضد السود. 

والقرآن يعلمنا دوما أن نردد أن أعظم ظلم يمارسه الإنسان هو ضد نفسه، ولا أحد له سلطان عليه ولو الشيطان الرجيم. 

وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

والأكراد سوف يكررون أن النمل الأسود والأبيض والجراد والقمل والضفادع يضطهدونهم، بدون أمل من الخلاص من حلقة اليزيدي.. 

هل تعرفون ما حلقة اليزيدي؟ 

إذا رسمت حلقة على الأرض حول يزيدي من عبدة الشيطان، انحبس داخلها، حتى يأتي من يفك له الحلقة؛ فيخط خطا أنه فتحها؛ فيخرج اليزيدي.. 

ولكن ألسنا كلنا نقع في دوائر من هذا النوع، من حيث نعترف أو ننكر؟

 

نافذة:

الأكراد سوف يكررون أن النمل الأسود والأبيض والجراد والقمل والضفادع يضطهدونهم بدون أمل من الخلاص من حلقة اليزيدي 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى