بقلم: خالص جلبي
كان أول تعرفي على هذا المصطلح، أي قوانين المنطق الثلاثة العلية وعدم التناقض والوسط المرفوع، من المفكر المغربي طه عبد الرحمن، ثم وقع تحت يدي كتاب هام لمفكر مصري هو طبيب في جراحة العظام، محمد كامل حسين، في كتابه «وحدة المعرفة»، حيث يمر على أخطاء متأصلة في الفكر، منها الثنائية وأن العالم بين حدين وهو ليس كذلك.
يذكر علي الوردي، عالم الاجتماع العراقي، في كتابه «خوارق اللاشعور أو أسرار الشخصية الناجحة»، أن أعظم ورطة وقع فيها العقل الإنساني، هي المنطق الصوري المنسوب إلى أرسطو .ومع أن أرسطو المعلم الأول، ولكن العقل البشري لم يكن ليتقدم، لولا أنه تخلص من منطقه. ومن جملة تلك الكوارث مشكلة قوانين الفكر التي صاغها المناطقة القدماء، وسموها قوانين الفكر الأساسية. وبزعمهم فإن هذه القوانين الثلاثة هي أساس كل تفكير سليم، وهي قانون الذاتية، وقانون عدم التناقض، وقانون الوسط المرفوع أو الثنائية.
فأما قانون الذاتية فقالوا إن الشيء هو بذاته، ومؤداه أن السكون أصل الكون، والذي نعرفه اليوم هو العكس، وأن الحركة هي أصل الكون، بما فيها
دوران الإلكترون حول البروتون بسرعة تقترب من سرعة الضوء على شكل غمامة.
وأما القانون الثاني فقالوا إن الشيء لا يمكن أن يكون فاقدا وحائزا للشيء في الوقت نفسه، وهو يقود إلى الحقيقة المطلقة وهي غير مطلقة في علم الاجتماع، ويجب أن نشك في نزاهة أي إنسان على حد تعبير الوردي، إذا رأيناه يدعو إلى اتباع الحق المطلق أو العدل المطلق، لأن هذا في دماغه لا أكثر. ومصلحة العقل البشري أنه ميال إلى جعل مصلحته والمصلحة العامة واحدة. ويعقب الوردي فيقول: ليس ثمة حق، بل هي عضو البقاء كما في درع السلحفاة وناب الأفعى. وهو في هذا ينسف القواعد المتعارف عليها عن الحق واليقين، ليصل إلى النسبية في الأشياء، وهو ما انتهت إليه الفيزياء الحديثة من النسبية الخاصة والعامة، وتداخل عنصري الزمان والمكان، فلم يعد من مكان مطلق أو زمان مطلق، وهو بحث يمكن قراءته بشكل تفصيلي جميل في كتاب «العالم في منظوره الجديد» من سلسلة «عالم المعرفة»، رقم 134، من تأليف اثنين من فلاسفة العلوم الكنديين. وكما وصف أحدهما منطق أرسطو بأنه منذ ألفي عام لم يرجع خطوة واحدة، ولكنه أيضا لم يتقدم خطوة واحدة. وحسب سكينر، عالم النفس السلوكي، ذكر في كتابه «ما خلف الحرية والكرامة» أن علوم اليونان القديمة في الفلسفة والسياسة لم تتقدم كثيرا، خلاف علوم البيولوجيا أو الفلك، ولو بعث سقراط وأرسطو فلن يفاجآ وهما يسمعان هذرمة السياسيين، ولكن طالبا من الثانوية سوف يذهلهما بالمعلومات الجديدة عن سرعة الضوء والفيمتو ثانية والكود الوراثية ومستحاثات الديناصورات، التي انقرضت قبل 66 مليون سنة. وهكذا وحسب الوردي، فإن القانون الذي يطبق حرفيا يقود إلى الظلم في العادة، ما لم يوجد بجانبه العقل الذي يطبق الحالات على القوانين مثل الحالات الطبية. والطب الألماني طور شيئا اسمه المريض وليس المرض، وهو قانون استفدناه من الدكتور الألماني فيرشوف، بل كان يقف متحديا الطلبة أنه سوف يزدرد بكتيريا التيفوئيد ولن يصاب بمرض، لأن حمض المعدة سوف يذيبها، ولكن شخصا متأهبا سوف يعتل، وقد يعتل على نحو خطير إذا تضافرت مجموعة من العناصر التي تقود إلى انهيار الجهاز المعوي. فالواقع لا يعطينا مرضا محددا، بل حالة مرضية وهي تختلف من حالة لحالة، ومن يصابون بالحمى التيفية لا يتشابهون، فقد يصاب الأول بارتفاع حرارة، والثاني بالتهاب عضلة القلب، والثالث بانثقاب معوي. وقيل عن مرض الروماتيزم إنه يلحس المفاصل، ولكنه يعض القلب. وهكذا فقد طور العقل البشري شيئا اسمه الحقيقة النسبية، وأرشدنا القرآن أن ننتبه إلى أن الشر قد لا يكون شرا. وأما القانون الثالث فهو أشدها توريطا وهو قانون الوسط المرفوع أو الثنائية، الذي يرى أن العالم مكون من طرفين، ونحن نقول عن الأشياء حار وبارد وهي بالنسبة إلينا، ولكنها ليست كذلك في الكون، فقد تنزل درجة الحرارة إلى 273 تحت الصفر، وهي درجة الصفر المطلق التي وصل إليها الفيزيائي البريطاني كالفن، وقد تصعد في باطن الشمس إلى عشرة ملايين درجة. ولخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس.
نافذة:
القانون الذي يطبق حرفيا يقود إلى الظلم في العادة ما لم يوجد بجانبه العقل الذي يطبق الحالات على القوانين مثل الحالات الطبية