شوف تشوف

الرأي

القواعد العشر في الجراحة (1)

خالص جلبي
1ـ (قانون العملية الصغيرة والكبيرة): لا يقال عن عملية جراحية إنها صغيرة حتى يخرج منها الجراح، فكم من عملية (زائدة) أصبحت (ناقصة)!
2ـ (قانون الجراح الياباني ناكاياما NAKAYAMA): على الجراح إذا دخل حقلا جراحيا أن لا يسبب من الأذى أكثر مما فيه، ويندمج هذا مع القاعدتين الأصوليتين (الضرورات تبيح المحظورات والضرورات تقدر بقدرها).
3ـ (قانون القرارـ MAKING DECISION): لا تتجلى البراعة الجراحية في إجراء عملية ناجحة؛ فهذا النصف السهل؛ بل كل البراعة اتخاذ القرار في (عدم إجراء العملية) ليس السهل أن تقول إن الشريان مصاب، ولكن أن تتحمل مسؤولية قول إن الشريان معافى سليم. تتجلى المأساة عندما يكتشف أن هناك إصابة فات وقت تصليحها.
4ـ (المضاعفات ـ الاختلاط COMPLICATION: الجراح المتمكن ليس الذي يجري عملية ناجحة؛ فهذه يقدر عليها الكثيرون؛ بل الذي يكتشف المضاعفات في وقتها المناسب فيطوقها، ويتصدى لها بالمعالجة السليمة.
5ـ (الخطة السليمة PLANING) ليس الجراح القادر من ينفذ عملية جراحية، بل من يضع الخطة السليمة للعملية، من خلال تشخيص موثوق، يعتمد المبدأ الفلسفي أن الحقيقة دائرة، يتم أكبر تطويق لها، من خلال أعظم التفاف حولها بخطوط تماس المنحنى. مع هذا فالحقيقة غادرة وتحرص على التملص من أيدينا بمراوغة لا تعرف الاستكانة.
قانون آينشتاين في التعامل مع الحقيقة آينشتاين يعتبر الحقيقة تمثالا من الرخام مهددا من عواصف الرمال المتحركة في الصحراء في كل حين. الشيء الوحيد الذي يحافظ على التماع التمثال تحت ضوء الشمس، هو المراهنة على التنظيف المستمر، والصقل المتواصل لطرد ذرات الرمل. هذا يعني أن معرفة الحقيقة مرة واحدة لا تكفي؛ بل ترسيخها المستمر (والراسخون في العلم).
التشخيص الصحيح، والخطة الماهرة، والنضج المعرفي، والحنكة مع مرور الأيام يؤكدها مشعر واحد فقط: النتائج (ولا يمكن لعملية نظيفة أن تكون بنتائج كارثية)، كل عملية جراحية غير موفقة سببها خطأ في مكان ما. التشخيص والخطة أكثر من نصف العلاج، السؤال الصحيح يشكل نصف الاجابة، وآخر الدواء الكي، وآخر الطب الجراحة، كما نصت الحكمة العربية القديمة.
6ـ (قانون ضبط النفس وإدخال الطمأنينة إلى قلب المريض): الجراح في مواجهة المريض يجب أن يتجنب الاضطراب، وأن لا يمثل ثقافة الإنسان المذعور، ولو كانت الحالة خطيرة؛ فيحرص على منح المريض شعور الثقة والطمأنينة؛ فهي ضرب من العلاج؛ فإذا استطاع إضحاكه ورد الابتسامة الى ثغره الواهن كان عملا أكثر من رائع. المريض جاءنا وهو خائف على حياته، يسجل كل كلمة نتفوهها وتصرف يصدر عنا. مهم جدا أن يخاطب الجراح نفسه مع مواجهة الكارثة الجراحية بتحريك آليات اللاوعي بتكرار: تجنب الذعر .. يجب إنقاذ المريض .. سوف ينجو .. سوف يعيش .. يجب أن نحرص على أن يعيش .. ما لم يضبط الجراح نفسه لن يدخل الأمان إلى قلب المريض. قانون التوقع يقول: ما نتوقعه يحصل. الجراح المتفائل يحقق نجاحا أفضل.
7ـ (قانون الأمانة): يجب أن تكون الأمانة للجراح ألصق به من ظله، يصدق هذا قبل العملية وبعدها، بالجلوس للمريض ومصارحته والتحدث إليه بوضوح وبصدق وبإجابة عن كل سؤال وتخوف. المريض مملوء بالهواجس ومهمة الطبيب إزالتها. من حق المريض أن يعرف ما به، ومن واجب الطبيب أن يشرح له عن المرض والجراحة، واحتمالات الاختلاطات، وبعد العملية يجب أن يعيد الجلوس إليه، وإخباره عما وجد حتى لو كانت زائدة غير ملتهبة، تمت إزالتها بسبب روتين الجراحة، وفتح البطن المشبوه، وتسجيل هذا في بروتوكول واضح.
نصف المصيبة أن يكون الجراح ضعيفا فنيا، الكارثة الساحقة الشاملة أن يكون غير أمين فيخفي المعلومات، ويسحب بعض الأوراق، أو يزور في سجل العمليات. الطبيب الذي يلج هذا الطريق يتحول إلى مجرم يرتدي معطفا أبيض، وليس هناك حصانة لأي إنسان، كما قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت، إن أعظم النفوس عندها الاستعداد لارتكاب أفظع الرذائل. الضمانة الوحيدة هي المراقبة المزدوجة المتبادلة. كما يروى عن لينين (أن الثقة جيدة وأجود منها المراقبة).
8ـ (قانون الثقة بالنفس): الجراح يجب أن يثق بنفسه وقدراته، بدون ثقة لا يمكن أن يقدم على عمل جراحي، الجراحة والخوف لا يجتمعان. الخوف أساسه جهل. مع هذا يجب أن تملح هذه القاعدة، أننا لسنا فوق الخطأ أو دون النقد. ويجب أن نتحرر من مرضي الغرور والإحباط؛ فنشكر الله على النجاح، ونتماسك في الفشل.
لجان (الوفيات MORTALITY COMITTEE) جيدة بتحريضها آليات النقد الذاتي، ولكنها خطيرة إذا تحولت إلى مصيدة للأخطاء، وتربص بالآخرين، وإثارة أسئلة الحواف والشواذ، وحفر للزملاء، ومن حفر لأخيه حفرة سيقع غدا في ما هو شر منها. من يظن أن على رأسه خيمة واهم، ومن كان بيته من زجاج عليه أن لا يرمي الناس بالحجارة. وبين الزملاء يجب أن يسود جو خال من التوتر. الجراحة لم تتقدم إلا بقدمين (التعقيم والصادات الحيوية)، والجراح لن يمشي بين زملائه إلا بساعدين من (الاحترام والسلام). المريض يبقى في المشفى أياما، ثم يودع ربما إلى غير رجعة، أما الزملاء فهم في مواجهة يومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى