يونس جنوحي
مرت «ضبابة» مشروع تقنين زراعة القنب الهندي، ولا أحد بات مكترثا لمعاناة الأهالي والعائلات المعنية مباشرة بهذا القانون.
بسبب التصويت على مشروع القانون وقع انشقاق داخل حزب العدالة والتنمية، قيد حياته، وصل حد التهديد باستقالة الأمين العام السابق ورئيس الحكومة السابق من كل المهام الحزبية ومقاطعة إخوانه. وقلده آخرون هددوا الأمين العام بأنهم سوف يستقيلون إذا تم التصويت على مشروع القانون.
واليوم لم نر أي تفاعل أو مواكبة لأي عضو من هذا الحزب الذي ادعى دائما أنه بجانب الشعب ويعيش معه همومه ومشاكله.
تم التعامل مع مشروع بهذا الحجم بمنطق انتخابي سقيم. فشل الحزب في هذا الامتحان، ومباشرة بعده فشل في الانتخابات.
ومن المضحكات التي تفضح طرق تعامل السياسيين مع مشاكل هذا الشعب، الطريقة التي فهم بها بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية مشروع قانون تقنين زراعة القنب الهندي. إذ، في نظرهم، أن التقنين سوف يسمح قانونيا بتعاطي المخدرات. وهذا الفهم مُخجل جدا ويكشف ماذا يوجد داخل بعض الرؤوس مكان الدماغ. إذ إن التقنين سوف يُنهي تماما مع توجيه المحاصيل الزراعية إلى الاستهلاك في المخدرات، وبدل ذلك سوف تُوجه المحاصيل إلى أغراض صناعية وطبية.
قد يقول قائل إن هذا الأمر مجرد وعد فارغ. لكن الحقيقة أن الشباب الذين أسسوا جمعيات قبل سنوات طالبوا منها بتقنين الزراعة، لديهم استعداد والتزام كبير لتوجيه محاصيل أسرهم وقراهم إلى الاستعمال الطبي بشكل كامل، رافعين التحدي أمام عصابات الاتجار الدولي في المخدرات.
هذه العصابات هي المتضرر الوحيد من هذا القانون الجديد، إذ لن تجد مستقبلا أي محصول من نبتة القنب الهندي لتحويلها إلى أطنان من المخدرات الصلبة.
أما المزارعون في القرى والمناطق التي تنتشر فيها زراعة هذه النبتة منذ أزيد من 100 سنة، فقد عانوا الأمرين بسبب تخزينهم للمحاصيل الزراعية داخل منازلهم في ظل الفراغ القانوني. وأحيل الآلاف منهم على السجن بسبب حيازة كيلوغرامات فقط من النبتة المجففة حتى قبل أن تُصنع منها المخدرات. كان هؤلاء القرويون ضحية هذا الفراغ القانوني.
وبما أننا في الأشواط الجديدة من تنزيل القانون المتعلق بزراعة القنب الهندي وتنظيمها، فإن السياسيين مطالبون أكثر من أي وقت مضى بأن يساعدوا شباب المناطق التي تمثل بالنسبة لهم خزانا انتخابيا فقط، لكي يتعاملوا مع الوحدات الصناعية والطبية في أكثر من بلد في العالم، ويستغلوا محاصيل القرى والمداشر، والتي تقدر بمئات الأطنان سنويا، ويتم استعمالها في الصناعات الدوائية ومواد البناء.
لقد قام رجل اسمه عبد اللطيف أضبيب، وهو أحد أبرز الذين دعوا إلى تقنين زراعة القنب الهندي ورافع باسم أبناء قريته قبل سنوات في مقر الأمم المتحدة في نيويورك لإنقاذ حياة الفلاحين البسطاء، بصناعة أول منزل صغير باستعمال مواد بناء مستخلصة كلها من القنب الهندي. وكان هذا المنزل يدخل في دائرة الصناعات الإيكولوجية. وسبق لهذا الرجل أن أطلع وزير التجهيز، الذي لم يكن أحدا آخر غير عبد العزيز رباح، على المنزل الذي بناه من مستخلصات نبتة القنب الهندي، حيث توجه إلى صناعة الآجر ومواد البناء، وجعل منها موادا صديقة للبيئة.
ماذا لو تبنى الوزير هذا المشروع خلال ولايته الحكومية وانخرط كبار المصنعين المغاربة في ورش وطني لاستعمال نبتة القنب الهندي صناعيا؟ ربما ما كان هذا النقاش الأعمى حول علاقة تقنين زراعة القنب الهندي بالأخلاق ليشهد كل هذا اللغط.
أحيانا، عندما تتأمل بعض القرارات التي يُقدم عليها السياسيون، لا تملك إلا أن تتوقع استمرار استعمال القنب الهندي في التدخين بدل إنقاذ آلاف الأسر المغربية من الفقر ومخاطر حيازة «الكيف». إذ كيف تتوقع للناس أن يهضموا قرار حكومة سابقة قامت برفع حجم الضرائب المفروضة على الخمور والسجائر، ولجأت إليها أكثر من مرة لترقيع الميزانية، وفي الأخير تتحدث عن مخاطر زراعة القنب الهندي وعلاقتها بإفساد أخلاق الشباب!