القناعة كنز لا يفنى.. لكن
رغم أنني كنت أتجول بحرية في ضيعة موسيو جون بيير، الفرنسي الثري جار جدتي، وأسبح أحيانا خلسة في مسبحه، لمدة طويلة، كنت أسأل نفسي لماذا لا يقتسم الأغنياء شيئا من نعيمهم مع المحتاجين، ولم أكن أرى أي محتاج غيري. في أحلام يقظتي، أثناء جوعي إلى الأشياء التي كانت تنقصني، لم أكن أحلم بغير حرية مطلقة للعب ومال لاقتناء ما أريده من حلويات ومبردات وشكولاته، وعرائس ومجلات الصغار: كل ما كان يمكن أن تحلم به طفلة في منتصف الثمانينيات كبرت وترعرعت وسط إغراءات منتوجات متاجر العاصمة، وحدائق المنازل الفخمة ذات المسابح الجميلة، المجاورة لبيت الجدة في أرقى أحياء الرباط.. مما جعلني لصة ظريفة ومغامرة مستكشفة، دائمة البحث عن وسيلة لإرضاء فضولي وإشباع نهمي اللامحدود للأكل واللعب.
هكذا، سرقت معظم طفولتي رغم أنني ابنة موظفين لم تجع يوما بمعنى الكلمة. من المتاجر الكبرى سرقت الحلوى، وفي طريقي إلى المدرسة وبعد مغادرتها، تسللت الى داخل مقر ملحق ثقافي لبلد آسيوي وحاولت سرقت كتب من الخزانة، قبل أن يضبطني موظفان صينيان، ويستبدلا الكتب السميكة التي وضعتها في محفظتي بمجلات كثيرة دون أن يكفا عن الضحك..
دخلت بيوت الغرباء وتسلقت الأشجار من أجل قطف المزاح والبرتقال، أو من أجل القيام بجولة في الحديقة بحثا عن كنز مخبوء، أحيانا بتواطئ مع كلب الحراسة البوليسي، الذي كان يستقبلني ويتبعني فرحا وهو ويحرك ذيله ويكتم نباحه، بعدما أكون قد مسحت على رأسه، وطلبت منه الهدوء، كما لو كنت ابنة الدار.
توقفتُ عن السرقة في أول عيد ميلاد احتفلت به، وكان عمري ثلاث عشرة سنة. كان بإمكاني أن أظل لصة، لو لم يؤنبني ضميري ذات صباح باكر، بعدما سحبت هذه المرة، ورقة ثم ورقتين من فئة مائة درهم، من بين حزمة كبيرة من المال كانت في سترة ضيف نزل في بيتنا. أنا التي لم يسبق لي وقتها الاحتفال بعيد الميلاد، لأنه لم يكن عادة في أسرتنا، كان هذا الضيف الكريم قد أحضر لي يوما قبلها «طرطة» كبيرة، شهية، من تلك التي كان يسيل لها لعابي وأنا أتأملها على واجهة «الباتيسري»؛ بعدما تأملت وجهه النائم البريء خجلت من نفسي، ثم اعتززت بها مُرجعة المال لمكانه، كارهة للسرقة والغدر والخيانة..