شوف تشوف

الرأي

القلم لا المدفع

صبري صيدم
مع نشر هذا المقال سيكون أطفال العالم من طلبة المدارس ومعلميهم والبالغ عددهم حوالي مليار و263 مليون إنسان قد خسروا ما يصل إلى ترليون حصة دراسية في 191 دولة تأثرت بفعل كورونا وستكون البشرية قد راكمت هماً لن تعرف حصيلته إلا حين إعلان العالم عن انتهاء أزمة كورونا.
هذا العالم الذي وقبل كورونا عانى فيه وحسب أرقام اليونسكو، 53% من أطفال الدول متدنية ومتوسطة الدخل ممن هم دون العاشرة من العمر من عدم القدرة السوية على القراءة، فيما عانى من 63 – 50% من معلميه من نقص التدريب، في حين أنفقت واحدة من كل أربع دول في العالم من ميزانياتها ما هو أقل من الحد الأدنى المطلوب للتعليم أي ما هو أقل من 15% من تلك الميزانيات.
عليه ومع أزمة وباء كورونا فإن واقع التعليم عالمياً مرشح أن يصبح أكثر اعتلالاً خاصة وأن الصورة لم تكن أصلاً مشرقة دولياً ما قبل الأزمة الأخيرة بفعل الفقر والحروب والمجاعات، فما بالكم عندما يضاف إلى ذلك فقدان ترليون حصة تعليمية حول العالم واحتمالية إعادة جدولة موارد الدول وأولوياتها بعد الأزمة بشكل ينعكس سلباً على التعليم.
ولذلك فقد ارتأت مجموعة من 26 وزيراً من وزراء التعليم حول العالم والمعروفة بـ«أتلانتيس» واستشعاراً منهم لهذا الخطر المحدق الاجتماع الشهر المنصرم وذلك لمناقشة تداعيات الحجر العام وإغلاق المدارس والجامعات وتعثر العملية التعليمية واستفحال المرض في بعض المجتمعات وما سيترتب على كل ذلك خاصة في ضوء استمرار الوباء من أضرارٍ اقتصادية ومالية يصعب حصرها. وقد خرج المجتمعون إلى أن الخطر الذي ينتظر التعليم هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية من حيث الكارثة الإنسانية والمالية والبنيوية التي أحدثها الوباء ناهيكم عن المخاطر الاجتماعية والمعرفية جراء الهزات الاقتصادية المتوقعة. ورغم كل الحديث الشره عن مقاومة الوباء وبطولات بعض الزعماء هنا وهناك فإن المؤكد أن الوباء الاقتصادي الذي سيعقب الوباء الصحي سيكون الأكثر فتكاً خاصة في ظل استخدام السياسيين في بعض الدول لمنصات المؤتمرات الصحافية للتهديد والوعيد وإلقاء التهم حول من تسبب بولادة كورونا وهو ما ينذر بحرب عالمية ثالثة قادمة بطلاها الرئيسيان هما الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وعليه فقد دعا المجتمعون في لقائهم المذكور إلى إعمال العقل والالتفات إلى أهمية معالجة مشاكل التعليم وحماية الموازنات المخصصة له بل زيادتها حتى يكون التعليم المنصة الفضلى لإعادة بناء ما دمرته حرب كورونا.
إن العالم لا يستطيع أن يحتمل حرباً عالمية ثالثة خاصة بعد محنة كورونا كما أن حروب الكون أثبتت فشلها في تحقيق السلم العالمي بل أدت إلى اتساع الهوة بين فقراء العالم وأثريائه وقادت إلى شرذمة الدول وفقر معظمها وولادة التطرف والتخلف والديكتاتورية فيها وتراجع معدلات الدخل وزيادة البطالة والجوع والجهل والفقر. فلو وفرت البشرية ما دفعته في صناعة السلاح لصالح صناعة التعليم وصناعة الفرد المنتج لما كان العالم في الحال الذي نعيشه اليوم. وهو العالم ذاته الذي أنتج أباطرة القتل والعنصرية والجشع والاستبداد. إن المال المخصص لشراء طائرة إف 16 واحدة كاف لحل مشكلة الري في مصر، وثمن دبابة واحدة من نوع الميركافا لهو كاف لحل مشكلة التعليم في موريتانيا فيما سعر صاروخ باتريوت الأمريكي لكاف لإطعام اللاجئين في مخيمات البؤس حول العالم والقائمة تطول.
يقول عقلاء العالم اليوم بأن الفيروس قد أعاد البشرية إلى أبسط الأمور بعد أن غزت القمر واستحدثت حرب النجوم وأطلقت العنان لمنظومة العولمة وأجيال الاتصالات وثورة الإنترنت، حيث وجدت نفسها بأمس الحاجة لأن تعود إلى ممارسة الشيء الأبسط في حياتنا ألا وهو غسل اليدين خاصة بعد أن هزمها فيروس لا يرى بالعين المجردة. وعليه وبعد كورونا فإن صوت البشر الصداح لا بد وأن يهزم صوت تاجر السلاح وفعل الناس المسحوقين لا بد وأن يسحق صوت الجشعين الموتورين ليصبح الكون منصة لحماية التعليم القويم لا عودة لمساحة الشيطان الرجيم، شيطان الحروب والقتل والدمار والطمع. وعليه فإن العالم لا بد وأن يسرع لوقف الحرب العالمية الثالثة ويوفر تكاليفها وضحاياها لخدمة «إعادة تشغيل العالم» وصناعة المعرفة والرقي والتطور. فالرسول الكريم محمد (ص) قد استهل رسالته بمقولة «اقرأ» لا بمقولة «اقتل» واتبعها بـ«القلم» لا بالسيف فولدت بذلك سورة «العلق» والتي حملت أطهر رسالة عرفتها البشرية. وقد جاءت هذه الرسالة بعد رسالة الرسول الفلسطيني عيسى المسيح الذي شدد على أهمية السعي والجد والعمل بقوله الكريم «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان». صحيح أننا لسنا في زمن الأنبياء والرسل ولكننا في زمن رسالة جديدة حملتها الكورونا عنوانها «اتعظوا»… فهل وصلت الرسالة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى