القلق من ديكتاتورية ترامب
خالد رمضان عبد اللطيف
كلما اقترب موعد الانتخابات الأمريكية، زاد التهديد الذي يشكله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الديمقراطية بالولايات المتحدة، في ظل شعور عارم بالقلق إزاء ديكتاتوريته الواضحة للغاية.
طموحات الرئيس الجمهوري الاستبدادية تزداد رسوخا كلما طالت مدة جلوسه في المكتب البيضاوي، حتى لو كان الهدف فقط إنقاذ نفسه وعائلته من السجن، وتفادي خسارة المكاسب الاقتصادية التي حققها طوال مدته الرئاسية الأولى عبر صفقات تجارية مشبوهة.
محطات رئيسية شكلت معالم ديكتاتورية الرئيس الأمريكي، فقد دأب في عدة مناسبات على تخويف وسائل الإعلام، وبخاصة شبكة «سي إن إن» التلفزيونية وصحيفة «واشنطن بوست»، وعلى سبيل المثال، وقع ترامب في ماي الماضي على أمر تنفيذي يسمح للحكومة الفيدرالية بالإشراف على الخطاب السياسي على الإنترنت، حتى أنه يمكن القول إن ترامب انخرط في أكبر هجوم مباشر على حرية الصحافة الأمريكية منذ تأسيسها، وقد ألهم وصفه المتكرر للصحافة بأنها «عدو الشعب» متابعيه لتهديد المؤسسات الإعلامية، وشجع ذلك التحريض على اعتقال الصحفيين الذين غطوا المظاهرات الأخيرة في عدة مدن أمريكية.
ربما يكون الرئيس رئيسا للسلطة التنفيذية، إلا أن الجنود والموظفين يقسمون اليمين حصريا على احترام الدستور، وليس احترام الفرد؛ وهو مبدأ تجاهله ترامب عندما حاول إقناع المسؤولين الحكوميين بالتعبير عن «ولائهم» له شخصيا، وسمح خلال اجتماعات وزارية للحاضرين فيها بالثناء عليه بطريقة متملقة، كما أن حملته الأخيرة لتقييد المفتشين العامين المستقلين عن إداراته أو عزلهم، في وزارات كالخارجية، والدفاع، والصحة، والخدمات الإنسانية، والنقل، وأجهزة الاستخبارات، تبدو وكأنها نوع من الانتقام السياسي، بالإضافة إلى أن استخدام الغاز المسيل للدموع لإجلاء المتظاهرين عن إحدى ساحات واشنطن الشهيرة؛ لتهيئة المكان للرئيس لالتقاط صورة، وحضور رئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي، ووزير الدفاع مارك إسبر تعتبر حالة أخرى حاول فيها ترامب تحويل المؤسسات غير الحزبية إلى جزء من بطانته.
في المقابل، تواجه المنظمات التي يكرهها ترامب مخاطر التعرض لمعاملة قاسية، وأخيرا قررت الحكومة الفيدرالية تسريع جهود مكافحة الاحتكار ضد شركة «غوغل»، بعدما اتهم الرئيس عملاق التكنولوجيا الأمريكية بالتحيز ضده، ويمكن القول إن لدى ترامب قدرة فائقة على زَرْع الموالين له بأعداد كبيرة في المحكمة العليا، وهو يسعى وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل إلى زرع الموالين له وللحزب الجمهوري بأعداد كبيرة في المحاكم الأدنى، بما في ذلك بعض المرشحين ذوي المؤهلات الضعيفة، وكما يعلم المستبدون المنتخبون ديمقراطيا، فإن سيادة القضاء لن تشكل أي عقبة بمجرد أن يتحول من مراقب إلى قط مطيع.
لكن، المفاجأة المدوية الآن هي أن تزوير الانتخابات قد لا يصبح حكرا على الأنظمة الشمولية، فترامب على استعداد تام للتزوير، وقد دعا أنصاره إلى التصويت مرتين إذا كان بوسعهم ذلك، وحاول إلغاء تمويل خدمة البريد أو تعطيلها، مما يجعلها أقل قدرة على التعامل مع الزيادة في بطاقات الاقتراع عبر البريد، وهو يزعم أن التصويت عبر البريد الذي يستخدمه شخصيا مليء بالاحتيال، وربما يلجأ لذلك التزوير، رغم ممانعة المؤسسات، في ظل معدل بطالة قياسي، وعجز تجاري وعد بإصلاحه.
معضلة ترامب الآن، هي ماذا يفعل إزاء شعبيته المتدنية في استطلاعات الرأي، خاصة وأنه يعاني تحت ضغوط الشكوى الاقتصادية للأمريكيين، وفشل إنتاج لقاح حتى الآن يمكنه من السيطرة على الجائحة، لذلك فإن استراتيجيته تقوم على تخويف الأمريكيين، تماما كما فعل عندما ترشح لمنصب الرئاسة في عام 2016، حيث قدم خلالها ادعاءات كاذبة عن المسلمين، والمغتصبين المكسيكيين ومخاطر خارجية أخرى، وهذه المرة يبذل جهدا إضافيا لإقناع الناخبين بأن مدن الولايات المتحدة مشتعلة، وأن حشود السود الغاضبة تتجه إلى الضواحي للاستيلاء على المنازل وتدمير أسلوب حياتهم بالكامل.
أثناء خطاب تنصيبه في يناير 2017، حذر ترامب من «مذبحة أمريكية»، لكنه كان يخبر الأمريكيين في حقيقة الأمر بما ينوي فعله في قادم الأيام، وقد أظهرت الوقائع أن ترامب توليفة خطيرة من مالكولم إكس، والجيش الأحمر، وزودياك السفاح، ولهذا دأب على شيطنة المعارضة، باعتبارها أحد مقومات الاستبداد الكلاسيكي، ولهذا فإن إعادة انتخابه لن تغرس في الرئيس النرجسي والمحتال بالفطرة التزاما جديدا بالمبادئ الأساسية للديمقراطية الأمريكية.