شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسية

القروض ليست حلولا

الجميع أشاد بالقرار المتعلق بخروج المغرب نهائيا من اللائحة “الرمادية” لمجموعة العمل المالي (GAFI)، حيث اعتبروا ذلك مكسبا جديدا لجاذبية المملكة وشهادة على مصداقيتها وسلامة بيئتها القانونية والمؤسساتية في محاربة المال الفاسد والملاذ الضريبي، غير أن هذا الرأسمال ينبغي صرفه في كل ما من شأنه تقوية النظام الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وليس تبذيره في عمليات الاقتراض التي لا تنتهي، فقط لأننا كسبنا خط ائتمان وأصبح بإمكاننا الاقتراض كما نشاء وقتما نشاء.

لا ينبغي للحكومة أن تنسى أن حجم الدين الخارجي العمومي للمغرب يبلغ حوالي 600 مليار درهم، دون احتساب ضعفه كدين عمومي داخلي، وهو مستوى يمثل حوالي 40 بالمائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بل إن صندوق النقد الدولي صنف المغرب ضمن أكثر الدول اقتراضا في إفريقيا.

صحيح أنه قد يكون الهدف من القرض ضروريا لتمويل بعض المشاريع ذات الطابع الاستراتيجي، ودعم المؤسسات والمقاولات العمومية من أجل إقامة شراكات اقتصادية مع نظيراتها الأوروبية، ضمن إطار قواعد الحكامة الجيدة، لكن قد تصبح الدولة ضحية لعبة الإغراء التي تمارسها المؤسسات المالية، حيث إن القروض تمثل عملة ذات وجهين، فمقابل ما توفره من وقت وما تلبّيه من حاجيات ملحة للدول، فإنها قد تُحول مستقبلها إلى جحيم وتجعل سيادتها تحت التبعية والتحكم.

كان يمكن للحكومات المغربية، قبل وباء كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية، أن تقترض بشكل طبيعي، عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة، لكن الآن، في ظل الظروف الجيوستراتيجية، يصبح الاعتماد في تمويل المشاريع الكبرى قاسيا ليس على مغرب اليوم، بل على أجيال الغد مما سيجعلها تتحمل تكاليف اقتراض أعلى في المستقبل. فالحلول لا تكمن في الديون، بل لا بدّ من معالجة حقيقية تبدأ من إعادة النظر في كامل النظام المالي والاقتصادي، لتحويله إلى اقتصاد إنتاجي يسعى إلى تقليص العجز في الميزان التجاري، كما لا بدّ من مواجهة فعلية لكل أشكال الريع والفساد والاحتكار غير المشروع.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى