شوف تشوف

الرأي

«القرداتي»

حسن البصري

مقالات ذات صلة

 

تسبب تفشي فيروس جدري القردة عالميا في حالة من الرعب والفزع، فأصبحنا متابعين لنشرة الوباء اليومية والقلق يلفنا كلما انتابتنا حالة من حالات أعراض هذا الجدري.

كلما حلت جماهير الفرق البيضاوية بساحة جامع الفنا إلا وتبحث عن القرد زعطوط الشهير، الذي يقلد حراس المرمى في ارتماءاته البهلوانية وبإشارة من مروضه يتحول إلى حكم يشهر البطاقات الصفراء في وجوه المتحلقين حوله، كما يتحول عند الاقتضاء إلى مدرب يوزع أوامره على لاعبين مفترضين.

حين أقرت منظمة الصحة العالمية بوجود فيروس جدري القردة، حوصر القرد زعطوط وأقرانه في ساحة جامع الفنا، حيث داهمت السلطات المحلية والمصالح البيطرية المختصة هذا الفضاء الفرجوي، وقامت بإحصاء القردة وإخضاعهم لفحوصات دقيقة.

كشف أشهر مروضي القردة في مراكش عن وجود فحوصات دورية ضد مجموعة من الأمراض، وأبدى مخاوفه من أزمة جديدة تعصف بالفرجة في جامع الفنا، وفي فضاءات فرجوية أخرى كساحة لهديم أو بوجلود وغيرها من الأمكنة المحافظة على استمرار الحلقة وصيانتها ضد عاديات الزمن.

تبا لهذا الوباء المرتبط بحيوان اجتماعي الطبع والتطبع، حيوان قد يحزن حين يشعر بأن الناس أداروا ظهورهم له، فيمشي قاطبا حاجبيه على غير العادة، غضبا من اللاهثين نحو فرجة أخرى بأقل مخاوف. سيحزن قردة الساحة التاريخية وسيحتاج مروضوهم إلى طبيب نفساني ليعيد إليهم ابتسامتهم المفقودة وشهية الجد والنشاط.

معظم الذين يمتهنون هذه المهنة ويقتاتون منها جعلوا من القرد فردا من أفراد أسرهم، يتقاسمون معه وجباتهم البسيطة ويتقاسمون معه قساوة العيش ويخصصون له مكانا لنومه لأنه مصدر عيش أساسي للأسرة، ويحيطونه بكامل عنايتهم ويشفعون له هفواته لأن القرد دوما في عين أمه غزال.

حين زار سفير بريطانيا في المغرب، سايمون مارتن، مؤخرا ساحة جامع الفنا، تقمص دور حكواتي وسط «الحلقة» وتحدث عن عشق رئيس الوزراء الأسبق للمملكة المتحدة، ونستون تشرشل لمراكش، وتقمص دور الساحر تارة والموسيقي ومروض القردة تارة أخرى.

كشف الدبلوماسي البريطاني عن أصول مروضي القردة في العالم العربي، وأكد أن المصريين كانوا السباقين عربيا، حين فضل «قرداتي» مصري ترويض قرده أمام دار الأوبرا في القاهرة بعد اجتماع التجار الإنجليز أعضاء مجلس القطن.

تبين للحاضرين أن السفير البريطاني يعرف عن فرجة الشارع أكثر مما يعرفه أعوان جامع الفنا، وأن المكان ليس مجرد فضاء للاسترزاق ضاقت مساحته بسبب زحف مطاعم أحوج لزيارات تفقدية يومية لمصالح حفظ الصحة. 

اليوم يخشى مروضو الأفاعي من وباء يحمل اسم الزواحف فيعطل خدماتهم ويصادر نغمات مزاميرهم التي تتراقص على عزفها الثعابين والأفاعي، كما يخشى مرضو الحمير من وباء يضرب هذه الفصيلة فيقطع مصدر الرزق لا قدر الله.

لكن دائما هناك مستفيدون في كل أزمة، حيث تخرج الفرص من رحم الأزمات وتنتعش قطاعات من معاناة البشر وآلامهم، ولنا في تداعيات جائحة كورونا المستجد دروس وعبر.

ستنتعش شركات الأدوية وستظهر مرهمات ولقاحات وبروتوكول صحي، وستلغى المصافحة إلى أجل غير مسمى، وستخشى القردة على نفسها من غضب الشارع العام، وسيغير المروضون مهنهم فيرقصون نيابة عن القردة، أو قد يدربون قردتهم ويؤهلونها لممارسة مهن أخرى، كما حصل في الفيلم المصري الشهير «القرداتي» الذي أدى فيه فاروق الفيشاوي باقتدار دور المروض.

ماذا أصاب مراكش حتى تعيش أزمتين، فتصادر الفرجة في جامع الفنا بسبب جدري القردة، ويعم الحزن مدرجات ملعب مراكش الكبير بسبب سقوط الكوكب المراكشي لقسم المظاليم؟

بأي ذنب قتلت مراكش البهجة حتى تعلن البهجة انفصالها وترفض أن تظل مرادفا للمدينة الحمراء؟

الجواب عند مسؤولي الصحة والكرة في مراكش الذين يبيعون القرد ويضحكون على من اشتراه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى