القرار السهل
في أقل من 24 ساعة أصدرت وزارة التعليم العالي مذكرة وزارية تدعو رؤساء الجامعات إلى اعتماد نمط الامتحانات عن بعد، ثم بعثت مذكرة أخرى تحث على اعتماد نمطي التعليم المختلط الحضوري وعن بعد، وتخبر رؤساء الجامعات بأن تنظيم الامتحانات سيكون بشكل حضوري أو عن بعد بحسب تقديراتهم للظرفية الوبائية. وبغض النظر عن هذا الارتباك والتسرع في اتخاذ القرار في موضوع يهم مصير مئات الآلاف من المغاربة ويهم مستقبل الوطن قبل كل شيء، فالواضح جدا أن التعليم عادة ما يكون الضحية الأولى للقرارات السهلة للحكومة.
بكل صراحة إجراء الامتحانات عن بعد لا يعدو أن يكون مجرد عبث في عبث، والوزارة الوصية تدرك ذلك، والمسؤولون بالجامعات والمعاهد على يقين بذلك، لكن للأسف الجميع يشارك في هاته الجريمة الشنعاء، لأنه لا أحد يريد تحمل مسؤوليته كاملة في ضمان امتحانات حضوريا، وينحازون للقرار السهل الذي لا يتسبب في أي صداع للرأس سواء للسلطات ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات والمعاهد.
ولا نبالغ في القول إن تجربة الامتحانات عن بعد إخلال بالعملية التقييمية والبيداغوجية على كل الصعد، وتوجد المئات من القصص المثيرة ومقاطع الفيديو المنتشرة على موقع يوتيوب وتطبيق الواتساب وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي المُختلفة التي تتباهى بالغش وإحداث مجموعات إلكترونية لتبادل الأجوبة بين الطلبة يوم الامتحان، ما يجعل لحظة تقييم مستوى الطلبة فاقدة للمصداقية ويضع قيمة الشهادات العلمية على المحك.
ولذلك لا بد من اتخاذ كل الاحترازات لإجراء الامتحانات حضوريا حتى ولو أدى الأمر إلى اللجوء إلى تباعد زمني كافٍ لضمان عدم دخول الطلبة بأعداد كبيرة إلى الحرم الجامعي، مع مراعاة شروط الصحة والسلامة العامة. فلا يعقل أن تمتلئ المقاهي بالزبناء طيلة اليوم، والأسواق تعج بالمواطنين على مر الأسبوع، لكن إذا تعلق الأمر بالامتحانات لساعة أو ساعتين تجرى عن بعد. والوزارة الوصية والمؤسسات الجامعية مطلوب منها، بدل القرارات السهلة، أن تفرض على جميع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والعاملين في المؤسسات التعليمية، أخذ اللقاح بجرعاته واعتماد الجواز الصحي، إلى جانب استخدام الكمامة والتباعد المعقول بين الأفراد، وكل ما من شأنه ضمان بيئة صحية لإجراء الامتحانات.
إن إجراء التعليم والامتحانات عن بعد، طيلة الموسمين الأخيرين، قاد إلى نتائج كارثية وكانت المخرجات التعليمية، مهما حاول البعض تجميلها، مؤلمة، ستعود بالضرر على البلاد والعباد إذا لم يتم تدارك ذلك بقرارات جريئة تنقذ مصداقية التعلم والامتحان عن بعد.