جاء اليوم العالمي للغة الفرنسية، الذي يصادف 20 مارس من كل سنة، ليُسائل استمرار الاعتماد على الفرنسية في التعليم المغربي، عوض الإنجليزية التي سبق أن كشفت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أنها ستتجه نحو اعتمادها في تدريس المواد العلمية خلال جميع المستويات الدراسية الثانوية بحلول سنة 2030، خصوصا أن هذا اليوم تزامن مع توقيع وزارة الاقتصاد والمالية المغربية والوكالة الفرنسية للتنمية على برنامج قرض جديد يركز على «جودة التعليم ومكافحة الهدر المدرسي».
ادريس المغلشي نقابي وكاتب :
كلما ساد خطاب السيادة إلا ونجد أنفسنا أمام وضعيات متناقضة ونتائج تنفيها بل هناك تقارير كتومة لا تفصح عن نفسها تغتالها في منتصف الطريق، وتبين بالملموس أننا لم نقطع بعد مع تلك السياسات.. ندور في حلقة مفرغة ونجتر الخطاب نفسه.
حقيقة لازلنا لم نعش لحظة تفصل بين استقلالية القرار في قطاع التعليم والتبعية لفرنسا وفي كل مرة يطفو على السطح هذا التنازع الذي لم نتخلص منه بعد. كثيرا من المرات يخضع الأمر لاعتبارات سياسية ولردود أفعال لم تنته لتعبر عن إرادة دولة.
الصورة المرتبكة التي نعيشها بلا انقطاع تجعلنا نعيد طرح السؤال من جديد، ألم يحن الوقت للحسم في هذا الأمر بما يبرهن على أننا دولة تمتلك قدرات وطنية قادرة على القيام بالأدوار نفسها التي نستدعي لها مراكز أبحاث خارجية؟
يحضرني، أمام هذه الأسئلة المقلقة، ما وقع سنة 2013 حين حضر الوزير محمد الوفا، رحمه الله، انعقاد المجلس الإداري بجهة مراكش الحوز آنذاك، بحضور كل ممثلي السلطة ومدير الأكاديمية «البامي» الأستاذ محمد معزوز والمدراء الإقليميين وأعضاء وممثلي المنظومة التربوية بالقاعة الكبرى.
لاحظ بسرعة بديهته، المشهود له بها من طرف الجميع، ملاحظة وجيهة ومنهجية أن أغلب المتدخلين نوعان: الأول يتكلم عن إنجازات الماضي حد الإغراق والتي لا تؤسس للمستقبل وصنف ثان يتكلم خارج الاختصاص. كان رده مفحما يعطي إشارة قوية في احترام الخصوصية المغربية الغنية بما يثبت استقلالية القرار، متسائلا كعادته، وهو يروم استفزازا إيجابيا للحضور، قائلا: «هل أصبح المغرب بعمقه التاريخي عاقرا وغير قادر على إنجاب طاقات وطنية تقود مرحلة جديدة في سيرورة التجديد البيداغوجي البديل؟
أخبر الجميع أنني منذ اللحظة قد أنهيت العلاقة مع Roger Xavier صاحب بيداغوجيا الإدماج الذي كان يتقاضى أجره بالعملة الصعبة لقد أمهلت (هاداك بوشعكوكة) 48 ساعة لمغادرة التراب الوطني وهنا أطلب منكم استنفار قدرات الكفاءات للبحث عن قيادة وطنية لهذا المشروع، صحيح أنني غير ضابط بشكل دقيق لهذا المفهوم لكنني بدأت أتلمس بعض المفاتيح».
كان كلامه مزيجا بين الجد والهزل، لكنه كان صارما في بعض المواقف بما يترجم إرادته الحقيقية للقطع مع التبعية للخارج.
الكل يجمع على أن المرحوم محمد الوفا حرك الراكد في قطاع التعليم، بل استغربنا جميعا كيف تمت تنحيته بعد سنة ونصف من توليه، وهناك من أوعز الأمر لكونه وضع أصبعه على مكامن الخلل التي عانى منها القطاع، بل كشف لنا حقيقة مرة أننا أمام عش للدبابير يصعب القضاء عليه. محميات لها حراسها قادرون على الدفاع عنها حد الموت.
لترجعنا لنقطة الصفر ويختفي نفس الإصلاح مرة أخرى وتعود حليمة لعادتها القديمة. كيف لا ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي لجأت في السابق إلى خدمات(BIEF) ، كمكتب دراسات فرنسي من أجل إعداد المخطط الاستعجالي، من خلال الصفقة التفاوضية رقم 2008/2، المصادق عليها بتاريخ 3 أبريل 2008 بعدما استنزف ميزانية كبيرة من حيث الإعداد والأجرأة دون أن نرى نتائج تذكر، بل هناك تقارير فضحت المتسببين في هذه الكارثة وبالأسماء دون أن تتم محاسبتهم. لقد كلف المغرب غلافا ماليا ضخما ليتم شطب هذه البيداغوجيا بجرة قلم ويلقى بها في سلة المهملات والآن يتولى مكتب آخر للدراسات فرنسي (FINACTU) النظر في إصلاح نظام تقاعد المغاربة. في تبعية عمياء لا نجد لها تفسيرا.
وفي 20 مارس، الذي يصادف اليوم العالمي للغة الفرنسية، تلقى المغرب قرضا قدره 134,7 ملايين أورو، الممول من الوكالة الفرنسية للتنمية ويهدف إلى تعزيز جودة التعلم من خلال تحسين تدريس اللغة الفرنسية. ولم نعد نفهم هذا التردد بل هذا التخبط، هل نتبنى اللغة الإنجليزية أم الفرنسية أم ماذا؟
ويأتي رئيس الحكومة، في كثير من التصريحات، ومعه وزير التربية الوطنية ليتكلم عن السيادة واستقلالية القرار.