حسن البصري
رغم أن معمر القذافي، الزعيم الليبي السابق، كان يحاول عبثا «تبخيس» لعبة كرة القدم، ولا يتردد في توجيه انتقاداته للفيفا، إلا أنه كان يستخدم سلطاته الواسعة لدعم منتخب بلاده ليكون حاضرا في المونديال، إلا أن معمر مات دون أن تتحقق أمنيته.
في أكتوبر 1985، أبدى القذافي غضبه من تحكيم مباراة الذهاب التي جمعت في الدار البيضاء المنتخب المغربي بنظيره الليبي، برسم تصفيات كأس العالم المكسيك، انتهت المباراة بانتصار المغاربة بثلاثية نظيفة، فاستنكر العقيد التحكيم ووصفه بالمتحيز، وطالب الفيفا بحكم أجنبي لموقعة بنغازي لأن «الحكام الأفارقة لا يصمدون أمام رائحة الدولار» على حد تعبيره، فكان له ما أراد وتم تعيين حكم إيطالي لمباراة الإياب وإعفاء حكم كيني كان في طريقه إلى ليبيا.
عين القذافي محمد بالراس معلقا للمباراة مع توصية بشحنه بمضامين الكتاب الأخضر، كما سمح للدول العربية بنقل المباراة مجانا مع توصية بقطع البث لتقديم «فاصل إيديولوجي» عبارة عن مقاطع من الكتاب الأخضر.
فاز المنتخب الليبي بهدف دون رد، لم يكن الفوز كافيا لتذويب ثلاثية الدار البيضاء، فتوقف مساره عند عتبة المونديال، حينها شن القذافي هجوما مرتدا على الفيفا وشبهها بالقوة الأمريكية «الطاغية»، بل إن الزعيم قرر استبدال أسماء الملاعب لتحمل أسماء كبار الثوار فأسقط لوحة ملعب بنغازي وكتب أخرى عليها عبارة «ميدان هوغو تشافيز» ودعا لإطلاق أسماء شي كيفارا وكاسترو ومانديلا على كبار ملاعب الجماهيرية، وحين مات الزعيم تخلصت الفضاءات الرياضية من أسماء الثوار.
شن القذافي هجوما لاذعا على الاتحاد الدولي لكرة القدم في خطاب رسمي بقاعدة معيتيقة العسكرية ضواحي طرابلس، بمناسبة عيد الجلاء. قال إن الفيفا «مؤسسة فاسدة تحتكر المليارات»، بل ذهب أبعد من ذلك فاتهمها بالاتجار بالبشر، وتحويلهم إلى رقيق تحت مسمى الاحتراف. ثم سمح لابنه بالاحتراف في نادي بيروجيا الإيطالي.
هاجم القذافي الفيفا سنة 2006، ودعا إلى إعطاء الدولة التي تفوز بكأس العالم لكرة القدم حق تنظيم المونديال الذي يليه على أرضها، وقال إنها أعادت نظام العبودية والمتاجرة بالبشر مرة أخرى، مضيفا: «لو أنفقت المليارات التي تنفق على كأس العالم على الشعوب الفقيرة ومكافحة الفقر والأمراض والأوبئة لتغير العالم».
لكن للكرة جاذبيتها التي حولت خطب القذافي إلى كلام في حالة تسلل، لقد عانى الرجل وهو يحاول عبثا ثني الشباب عن عشق الكرة، وقال في كتابه الأخضر «إن الآلاف التي تملأ مدرجات الملاعب لتتفرج وتصفق وتضحك، هي الآلاف المغفلة التي عجزت عن ممارسة الرياضة بنفسها حتى صارت مصطفة على رفوف الملعب تمارس الخمول والتصفيق لأولئك الأبطال الذين انتزعوا منها الريادة، وسيطروا على الميدان، واستحوذوا على الرياضة، وسخروا كل الإمكانات التي تحملتها الجماهير نفسها لصالحهم».
قبل أن يدخل قرار الرياضة للجميع حيز التنفيذ، أقدم القذافي على مسح المنصات الرسمية والمقصورات الشرفية من الملاعب، وألغى بقرار رسمي تصنيفات المشجعين، لا فرق بين مشجع عادي ورئيس فريق، داعيا إلى ما أسماه «عدالة الفرجة»، قبل أن يوسع القرار فيشمل المسارح ودور السينما وقاعات المحاضرات.
لكنه بقدر ما كان ينتقد الفيفا ظل يسمح لأبنائه باعتناق عقيدة الكرة، فابنه الساعدي القذافي كان عميدا لأهلي طرابلس وحين انتابته فورة غضب أصبح عميدا لاتحاد طرابلس، وعميدا للمنتخب الليبي ورئيسا لاتحاد الكرة في الجماهيرية.
حين أصبحت العروبة طريحة الفراش، والمصير المشترك والقومية العربية في خبر كان. وسقط الكتاب الأخضر بالتقادم أمام الكتاب الأزرق الفايس بوك، فاعلم أن الفيفا تنوب عن هيئة الأمم المتحدة في نشر السلام مرة كل أربع سنوات.