شوف تشوف

الرئيسية

القبرة

غادة الصنهاجي

 

تعمّد تحقيرها بتشبيهها بقبرة، والغراب لا يمكن أن يراها غير ذلك.. الكائنات نوعا ما لا تتحكم في معدلات الرؤية عند بعضها البعض؛ فكم من تافه يخونك بصرك وتراه عظيما، وكم من أعمى يرى الجميع ظلاما.

لكنها استهوت فكرة أن تكون قبرة، فهذا الطائر الصغير الخفيف شديد الانتباه والسرعة، عدا أنه يغني، وشتان بين الغناء والنعيق.

لقد كان يصر على أن يلعب دور المنقذ من الغرق، أكان غافلا عن كونه الغارق الحقيقي، وأن وجوده في غياهب البحر لا يسمح له حتى بإنقاذ نفسه.. لقد فاته أوان ذاك.. أما عن وجودها في الأعماق فليس لتؤنسه في القاع، كانت فقط تمارس الغطس، والغطس هواية، والهواية عندما تتحول إلى طقس يومي يشعر ممارسها بالملل ويتوقف عن قراءة الأعمال المشؤومة المحفوفة بالغربان.

 

وحتى إن تركته على طبيعته الغرابية أو بالأحرى الغرائبية، فعمل مشترك مع كاتب عجائبي شبيه بالتسكع مع عنكبوت في زاوية بيت مهجور ومسكون بالكثير من الحشرات ضيقة التفكير، عدا أن بيتا كهذا كلما سكنت فيه قريبا من السقف أمنت على نفسك من الجرذان وضجيجها؛ لكن معاشرة العناكب ليست سهلة، ولعل قوة أنثاها ما جعلتها تثق في المكان، فأنثى لن تأكل أنثى مثلها، وأن تسحب ذكرا إلى ركن ملغوم لن يفضي إلى غير خنقه ومص دمه، وتركه معلقا في شباك واهن ووهمي.

أما عن حبيبته التي يدعي افتقادها في كل أمس وحين، فهي تبادله الافتقاد الجبان نفسه، الخالي تماما من الشجاعة ولو بمقدار ذرة، ينتظران أن تجود السماء بحل لفائدتهما، ونسيا أن السماء لها خطط لا علاقة لها بما يفكران فيه، وذلك الحنين اليتيم بينهما لا يصلح لشيء سوى للنحيب.. لهذا كان يرتاح حين تحدثه امرأة حزينة، ويغرم سريعا بالنساء الحزينات، اللواتي يجدن حبك قصص الغرام الفاشل ويضعن على وجوههن مساحيق التظلم.. يتعاطف معهن وينصحهن ويفتح قلبه سريعا لهن، يوحي لهن بالصدر الحنون بينما هو الأكثر حزنا وظلما ويأسا، وكل العواطف التي لديه يفجرها في ادعاء بطولات إنقاذ الغريقات.. لهذا فكرت في إهدائه طوق نجاة يعيده ليطفو على السطح، فساعتها فقط سيقتنع ويتأكد أنه فعلا كان في القاع.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى