القانون وحده لا يكفي
مرت أكثر من 19 سنة على تطبيق مدونة الأسرة، وهي فترة كانت كافية للوقوف على نقاط قوتها ومكامن ضعفها. لا أحد بإمكانه أن ينكر أن المدونة حققت، خلال هاته الفترة، مكتسبات ملموسة، ورغم ذلك لم تستطع أن تصل إلى مستوى التطلعات المرجوة من تعديلها. فما زالت الكثير من الاختلالات المرتبطة بالنص في حد ذاته الذي يسمح بالتأويل المغلوط في الاتجاه وضده والممارسة القضائية الملتبسة، مما منع التطبيق القضائي السليم لمقتضياتها.
لهذا وصلت اللحظة المناسبة لإعادة النظر في المدونة كإطار قانوني لتنظيم الأسرة، وهذا أمر عادي ومطلوب لأننا بصدد قانون وصل إلى درجة الإشباع وحان الأوان لكي يدخل مرحلة أخرى، قبل أن يتحول إلى مصدر للمشاكل المجتمعية.
وبالنظر إلى مسارها الطويل، أظهرت المدونة الحالية وجود سوء فهم كبير بين النص والممارسة، بل هناك سوء فهم للمضامين التي جاءت بها مدونة الأسرة وتشويه روح نصوصها بالتأويلات المغلوطة، سواء من المخاطبين بها أو من بعض من يتحملون الدور القضائي والقانوني في تنزيلها.
ولعل انفجار مشاكل الطلاق منذ دخول المدونة حيز النفاذ والتحايل على زواج القاصرات والمواربة في التعدد الزوجي وحرب الحضانة وبطء المساطر القضائية وعدم نجاعة بعضها، كلها وغيرها جعلت المدونة في وضع حرج وتطلبت تدخلا ملكيا عاجلا لتدارك ما يمكن تداركه.
إن تغلغل هذه الاختلالات داخل الأسر والمحاكم وبين ممتهني مهنة الزواج والطلاق والإرث والوفاة والحضانة نتيجة المعرفة السطحية بنصوصها ونتيجة تهلهل النصوص القانونية، جعلها تنحرف عن القصد الأساسي للمشرع في حمايته لاستقرار الأسرة وتماسكها.
والمطلوب اليوم ليس هو إنتاج قانون جديد وكفى، فالقانون لا يمكن أن يغير ذهنيات المجتمع، بل المطلوب قانون بمواصفات خاصة، قانون لا يترك مجالا واسعا للسلطة التقديرية، قانون لا يتعارض مع نصوص أخرى تنظم الفاعلين في الأسرة، قانون يقطع مع المساطر البيروقراطية البالية، قانون يحترم مرجعيات وتطور المجتمع. إننا في حاجة لقانون يدفع الأسرة نحو الأمام لا أن يجرها نحو الخلف.