القاسم الانتخابي.. المفهوم والأبعاد
أيوبي يونس
إن اختيار نمط معين من أنماط الاقتراع لا يتم اعتمادا على اعتبارات تقنية وحسب، وإنما تؤثر وتتحكم فيه عدة اعتبارات وحسابات سياسية. فكل أنماط الاقتراع تفرز نوعا من العلاقة بين الناخب والمنتخب من جهة، كما تؤثر في النظام الحزبي من جهة ثانية، وتتحكم في تشكيل الحكومات وفي استقرارها من جهة ثالثة.
وغالبا ما تعرف الأنظمة الانتخابية تعديلات ومراجعات في العديد من الدول، كلما تبين أن نمط الاقتراع المعمول به لا يفي بالأهداف المتوخاة منه، ويبقى الهدف من هذه المراجعات هو ترجمة المبادئ والأهداف الدستورية، بما تسعى إليه من غايات وأهداف سياسية، وأساسا منها تطوير الممارسة الديمقراطية.
وقد جرب المغرب أيضا مجموعة من أنماط الاقتراع، منذ بداية المسار السياسي والانتخابي بالمملكة المغربية.
وتجدر الإشارة إلى كون السياق والبيئة يشكلان عوامل مؤثرة في تحديد نمط الاقتراع.
ودون الخوض في تفاصيل الاعتبارات التي تحكمت في اعتماد نمط الاقتراع في القوانين الانتخابية السابقة، ينبغي التأكيد على أن أي نمط اقتراع كيفما كان، يجب أن يستهدف ما يلي:
– تشجيع المشاركة السياسية والرفع من نسبة المشاركين فيها.
– العدالة الانتخابية من خلال ضمان مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، بين كافة الأحزاب السياسية.
– حماية مبدأ حرية الانتخاب ونزاهة العمليات الانتخابية.
– حماية مبدأ التعددية والتمثيلية.
– إفراز مؤسسات منتخبة تشكل تجسيدا للإرادة العامة.
ومجموع هذه الأهداف أقرها المشرع الدستوري المغربي بدستور 2011، حيث تضمن الدستور العديد من الأحكام والمبادئ المؤطرة للعملية الانتخابية.
كما أن الدستور وإن كان يحدد المبادئ العامة والأهداف الدستورية، فهو لا يخوض في التفاصيل التقنية المتعلقة بتنظيم العمليات الانتخابية، حيث يحيل بهذا الخصوص على قوانين تنظيمية أو قوانين عادية.
وفي هذا الصدد تنص الفقرة الثانية من الفصل 62 من الدستور على أن «يبين قانون تنظيمي عدد أعضاء مجلس النواب، ونظام انتخابهم، ومبادئ التقسيم الانتخابي، وشروط القابلية للانتخاب، وحالات التنافي، وقواعد الحد من الجمع بين الانتدابات، ونظام المنازعات الانتخابية».
وطبقا لهذه المقتضيات الدستورية، فكل ما يتعلق بنظام الانتخاب بما فيه القاسم الانتخابي يجب أن يتم بمقتضى القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.
والمشرع له سلطة تقديرية في اختيار نمط الاقتراع الذي يراه ملائما، والقضاء الدستوري ليس له التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع.
وما دام الدستور لا يتضمن تحديدا لنمط الاقتراع الواجب اعتماده في انتخاب أعضاء مجلس النواب، ولا يوجد في الدستور ما يمنع من اعتماد نمط معين، فإن القاسم الانتخابي الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها، ليس فيه ما يخالف الدستور.
كما أن نمط الاقتراع الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها، سيمكن من تحقيق العديد من النتائج والآثار الإيجابية، منها:
– دفع الناخبات والناخبين المقيدين في اللوائح الانتخابية إلى المشاركة في التصويت، ما دام أن تسجيلهم في اللوائح الانتخابية له أثر، وهو ما سيجعلهم أيضا أمام مسؤولياتهم، وهذا من شأنه الرفع من نسبة المشاركة.
– تحقيق العدالة الانتخابية، حيث سيمكن القاسم الانتخابي الأحزاب من الحصول على عدد من المقاعد في إطار الاستحقاق.
– تعزيز التمثيلية والتعددية، حيث سيمكن القاسم الانتخابي مجموعة من الأحزاب بغض النظر عن حجمها من إمكانية الحصول على عدد من المقاعد ملائم لحجمها الحقيقي، وهذا من شأنه حماية التعددية وضمان حقوق الأقلية.
وزيادة على ما سبق، فالقاسم الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها، والذي تضمنه مشروع القانون التنظيمي رقم 04.21 المتعلق بمجلس النواب، صودق عليه بالأغلبية في مجلسي البرلمان، والديمقراطية تفرض احترام نتيجة التصويت.
وانطلاقا مما سبق نشير إلى كون العديد من النقاشات التي تناولت موضوع القاسم الانتخابي المشار إليه أعلاه، هي نقاشات سياسية وتبقى مشروعة، ومن حق جميع الأحزاب كما من حق جميع المواطنات والمواطنين التعبير عن رأيهم بكل حرية، ولكن الآراء المعبر عنها يجب أن لا تصل إلى درجة التشكيك في دستورية نمط الاقتراع هذا أو الجزم بذاك، فالمحكمة الدستورية هي التي لها وحدها الحق في القضاء إما بدستورية أو عدم دستورية قانون ما، طبقا لأحكام الدستور ومقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية.
وختاما ينبغي التأكيد على أنه لا يوجد نظام انتخابي جيد بشكل كلي أو رديء بشكل كلي، فالنظام الانتخابي ينبغي أن يكون موضوع نقاش عمومي واسع بمشاركة كل المعنيين من دولة وأحزاب سياسية وجمعيات مدنية ومواطنين… كما ينبغي أن يكون رافعة أساسية للتنمية السياسية، وأداة لتحقيق الديمقراطية، وآلية لتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة…
ويبقى الأهم من وجهة نظري، هو حرص جميع الفاعلين والمتدخلين على ضمان نزاهة العملية الانتخابية، والعمل على الرفع من نسبة المشاركة، وإعادة الثقة للعملية الانتخابية وللمؤسسات المنتخبة، والمساهمة في تعزيز المسار الديمقراطي والتنموي ببلادنا.