الفيل والحمار الأمريكي والبغل العربي
عندما كنت أكتب وأصرخ في حمأة الربيع العربي بأن ما يحدث في العالم العربي ليس ثورات وإنما مؤامرة وخدعة وأننا في المغرب يجب أن نكون حذرين من ثوار السيغار والكافيار، أو ثوار آخر ساعة كما سميتهم، كان كثيرون يعتبرون كلامي تخاذلًا من طرفي تثبيطا لحماس الثوار الجدد الذين كانوا يجوبون الشوارع مطالبين بإسقاط كل شيء دون أن يكون لديهم بديل يقدمونه.
اليوم بعدما كشف ترامب 55 ألف وثيقة من صندوق هيلاري كلينتون الأسود، تأكد للجميع أن ما كنا نحذر منه لم يكن مجرد وهم بل حقيقة ثابتة.
لقد اتضح اليوم أن الربيع العربي كان مؤامرة دبرتها إدارة أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري خلال الولايتين اللتين قضتهما في البيت الأبيض.
لقد كشف استطلاع رأي أجرته مؤسسة أمريكية شهيرة أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كان أسوأ رئيس عرفته بلاد العام سام منذ الحرب العالمية الثانية، أي أنه أسوأ من جورج بوش الابن، فيما احتل رونالد ريغان المرتبة الأولى.
ومعيار هذا الترتيب هو مدى تمتع الرئيس بقدرات تجعله يقود البلد في الحروب إذا استدعت مصلحة البلد ذلك، ويقودها في السلم عندما تنتهي كل الحروب، من هناك احتل ريغان المرتبة الأولى لكونه كان حاسما في الحرب الباردة، وقرارات كثيرة اتخذها ساهمت في إنهاء الاتحاد السوفياتي، وبالتالي خروج الولايات المتحدة الأمريكية منتصرة ومتوجة كقوة واحدة وحيدة مهيمنة على العالم.
وفي حالة أوباما فقد كان طوال ثماني سنوات مترددا، وعد بإغلاق غوانتنامو لكنه لم يفعل، كان ضد غزو العراق لكنه ترك بلاد الرافدين تغرق في وحل الطائفية التي تخدم إيران.
كان ضد داعش، لكنه سمح لها بالتمدد كسرطان في منطقة أقرب إلى برميل بارود، كان ضد العرب عموما لكنه كان مع أموالهم واستثماراتهم التي يملكونها في أمريكا، وكان مع إفريقيا في خطاباته الحماسية لكنه لم يفعل شيئا لتنميتها أو إحلال السلم فيها أو القضاء على الإرهاب الذي ضرب أكثر من مرة في السنوات الثمانية لرئاسته.
والأهم أنه كان مع ما اصطلح عليه بالربيع العربي معتبرا ذلك بكونه ثورة ضد الاستبداد، لكنه في المقابل ساند حركات الإسلام السياسي لكي تساعده على جني ثمار ثروات البلدان العربية بعد وصولها للحكم، بالرغم من كونهم مؤهلين فقط لإسقاط الأنظمة وليس للحكم، بل وساندهم حتى عندما كشروا عن أنياب الاستبداد كما حصل في مصر، كيف لا وهو الذي سمح لقطر بأن تكون «سفارته» في الخليج.
طيلة 8 سنوات من حكمه رفقة مستشارته هيلاري كلينتون والمرشحة الفاشلة للظفر برئاسة أقوى دولة في العالم أمام ترامب، كانت العناوين البارزة لسياسته الخارجية، فقدان أخلص الحلفاء كالمملكة العربية السعودية، ومن ورائها بلدان الخليج باستثناء قطر وإزعاج أقوى الشركاء ذوي المصداقية والجدية والشريك الاستراتيجي في محاربة الإرهاب كالمغرب، وإلحاق أضرار كارثية ببلدان عربية وإسلامية، من خلال خلق الفوضى الخلاقة للتحكم في منابع النفط ومقدرات الشعوب، وزرع النعرات الطائفية والعرقية والدينية مع محاولة تمكين حلفائه الإسلامين من حكم العديد من الدول العربية والإسلامية، واتخاذ قرارات متناقضة ومتضاربة مع إيران وضدها في نفس الوقت، ومحاولة الإمعان في إهانة واستفزاز الدب الروسي، والسعي لعرقلة عودته لساحة الفعل العالمية من خلال تحقيق توازن دولي للقوى العالمية في إطار التعددية القطبية.
ولذلك فقد كانت السياسة الخارجية للحزب الديموقراطي بزعامة كل من أوباما وهيلاري كلنتون كارثية ومصدر زرع وإذكاء بؤر التوتر والنزاعات الدولية عوض السعي لإقرار السلم والأمن العالميين، في تناقض صارخ مع ما وعد به أوباما أثناء تسلمه لمقاليد الحكم عندما التزم بسحب الجيوش الأمريكية من المناطق التي احتلتها، وهو ما أظهر أن ذلك الوعد كان مجرد تكتيك للعودة للحروب بالوكالة الذي ميز فترة الحرب الباردة من القرن الماضي.
ولذلك فهزيمة أوباما وحزبه أمام ترامب كانت بمثابة جواب من الأمريكيين لساكني البيت الأبيض، وقد كان الجواب صادما إلى درجة إبكاء أوباما وكلينتون، وهي دموع التماسيح التي حاولا من خلالها إثارة عواطف الشعوب العربية التي دمراها وقسماها.
لكن مشاكل العرب ليس أصلها الحمار أو الفيل الأمريكي، بل مشاكلهم مصدرها عقلية البغل التي تعشش داخل شعوبهم وغالبية حكامهم، وذلك بسبب عدم فهمهم للمتغيرات الجيوستراتيجية التي تقوم حولهم، والتي تستدعي الذكاء السياسي والدهاء الديبلوماسي، عوض صم الآذان والعصبية الفارغة والعناد.
فهم لفرط غبائهم ينساقون مثل النعاج وراء الفيل تارة وتارة أخرى ينساقون وراء الحمار، فيما الفيل والحمار مختلفان في كل شيء لكنهما متفقان على «بردعة» البغل العربي وركوبه أطول وقت ممكن.
لقد كانت الشعوب العربية أكبر الضحايا الذين صدقوا الحزب الديمقراطي بأحجية الربيع العربي، والذي مكنهم من ضرب بعضهم البعض بالإسلاميين وفسح المجال للجيوش والطائرات الأجنبية بقصف الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير البيوت على رؤوس أهلها لكي يختلفوا في غرف مظلمة بشاشة الجزيرة وهم يتابعون مشاهد القتل والدمار وتفكيك الأنظمة، ويذرفوا دموع التماسيح، كما وقع لبنكيران وحزبه وبعض المنظمات والجمعيات ممن كانوا رهن إشارة هيلاري كلنتون.
لقد انتهى عهد الاعتماد على حركات الإسلام السياسي واستعمالها في الحروب والاقتتال الداخلي حول السلطة، فمرحلة «الدراس» قد انتهت وحان موسم جمع المحصول، وهذا بالضبط ما قامت به إدارة دونالد ترامب وستتابع القيام به في حالة عودتها للبيت الأبيض.
وطبعا فالعقل الخفي الذي يرسم خرائط الطريق لساكني البيت الأبيض هو من يقرر، أما المرشح الفائز فمهمته التنفيذ، وهذا العقل الخفي قرر أن ينعي علاقته بحركات الإسلام السياسي في العالم العربي، لأنها أدت دورها على أحسن وجه واليوم جاء وقت جمع الغلة، وحول مائدة الوليمة ليس هناك مقعد لأشباه بنكيران أو العثماني أو الغنوشي أو الإخوان المسلمين وغيرهم ممن شاركت بهم الإدارة الأمريكية في حلقة للكاميرا الخفية، وها قد حان الوقت لكي يعودوا إلى الكواليس إذا لم يكونوا يريدون أن ينتهوا في السجن.