عمرو الشوبكي
استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن 54 مرة منذ عام 1972، لمنع صدور أي قرارات ليست في صالح إسرائيل، وعادت أمريكا واستخدمته مرة أخرى، ليصبح عدد مرات استخدامه 55 مرة.
وجاءت جلسة المجلس في أعقاب قيام الأمين العام للأمم المتحدة، يوم الخميس الماضي، باستخدام صلاحياته المنصوص عليها في المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، ونبه أعضاء المجلس إلى وجود أخطار تهدد السلم والأمن الدوليين، بسبب ما يجري في غزة، وهو ما ترتب عليه عقد جلسة يوم الجمعة الماضي، وانتهت بتصويت 13 دولة من أصل 15 لصالح مشروع القرار، الذي يطالب بوقف إطلاق نار إنساني في غزة (وليس هدنة)، فيما رفضت أمريكا القرار، وامتنعت بريطانيا عن التصويت.
وقد ذكر مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن مجموعة من الحجج الواهية لتبرير موقف بلاده بالقول إنه «لا يمكن لأي دولة أن تتسامح مع ما فعلته حماس في 7 أكتوبر»، وأضاف أن وقف إطلاق النار غير المشروط من شأنه أن يُبقي حماس في مكانها، وتكون قادرة على تكرار ما فعلته، ووصف مشروع القرار بأنه «كارثة لإسرائيل وللفلسطينيين وللمنطقة بأكملها».
وعلى سبيل إبراء الذمة، كرر مندوب الولايات المتحدة ما يردده الجميع من «أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم والشامل في المنطقة»، ودون أن تُطرح في هذا المحفل أو في غيره خريطة طريق واحدة لتحقيق هذا الهدف.
أخطر ما قامت به الولايات المتحدة، في جلسة مجلس الأمن، أنها لم تنحَزْ فقط لإسرائيل كما هي العادة في ما ترى أنه تحقيق لمصالحها، إنما انحازت إلى حرب اعتبرت أن هدفها الوحيد هو قتل المدنيين والانتقام منهم وتهجيرهم.
والحقيقة أن هذا ما ذكره المندوب الروسي، حين قال إن رفض مشروع القرار يعني الحكم بالإعدام على الشعب الفلسطيني، كما ذكر مندوب الصين أن التغاضي عن استمرار القتال يتناقض مع ادعاء الاهتمام بحياة الناس وسلامتهم في غزة.
لم تغادر أمريكا ما جرى في عملية 7 أكتوبر، لأنها لا ترى أن هناك ضحايا مدنيين إلا الإسرائيليين، أما قتل المدنيين من نساء وأطفال على يد جيش الاحتلال فاعتبرته أمريكا ضمن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، أما الصور التي وثقتها كاميرات المراقبة ونقلتها تقريبا كل الفضائيات العربية لقيام جنود إسرائيليين بقتل طفلين فلسطينيين في الضفة الغربية لم يحملا سلاحا ولا حجرا، فلم يعلق عليها مسؤول أمريكي واحد، ولم يطالب أحد بمحاسبة القتلة.
إن النظرة التمييزية تجاه أرواح البشر والانحياز بالقلب والعقل والكلمة للضحايا الإسرائيليين، والتجاهل المطلق للفلسطينيين ستكون تأثيراتها كارثية على قضايا السلم والأمن الدوليين، وستكون سببا في عودة موجات مؤذية من الإرهاب سيكتوي بنارها الجميع، وخاصة الولايات المتحدة.