الفقيه اللي تْرجِّينا براكتو
صور مريبة كشف عنها المجلس الأعلى للحسابات بخصوص صرف الأحزاب السياسية للمال العام. فهذا حزب يمنح وزيرا سابقا مليونا ونصف مليون مقابل طبع ونشر دراسة حول مدونة الأسرة ورهانات المراجعة، وهذا حزب يصرف 100 مليون من المال العام على تحسين صورته بدون أي أثر، وهذا حزب يجري 23 دراسة كلفت نحو 200 مليون، فقط ليقال إن الأحزاب صرفت المال على الاستشارات والدراسات دون طائل من ذلك. أكثر من ذلك أن مجلس الحسابات طالب الأحزاب بإرجاع نحو ثلاثة مليارات سنتيم من الدعم غير المستحق أو غير المستعمل أو غير الموثق.
للأسف، مع كل تقرير للمجلس الأعلى للحسابات تثار مسألة الاستهتار بالمال العام داخل بعض الأحزاب السياسية، وبدل أن تضرب هاته الأخيرة النموذج في صرف أموال دافعي الضرائب بالشكل وفي المجال المستحق، نجد أنها تقدم صورة سيئة عن تعاطيها مع مقاصد الدعم العمومي. فالمفروض في الأحزاب السياسية أن تكون نموذجا ومثالا لاحترام قواعد ممارسة الشفافية والنزاهة، بحيث يجب أن تكون متوفرة على منظومة محاسباتية دقيقة دون استغلال لمقاصد رفيعة في تسمين بعض مكاتب الدراسات الصديقة أو تلك التي أسستها قيادات حزبية.
والحقيقة أن بعض الأحزاب تتعامل مع المال العام على أنه كلأ مباح، بلا حساب ولا رادع، وكأنه مال لا صاحب له، فأصبحنا نرى من الأحزاب من يستحل هذا المال ويضع لنفسه ما شاء من المبررات لصرفه دون وثائق محاسباتية، وهناك من يصرفه دون أن يكون من مستحقيه ويتماطل في إرجاعه إلى خزينة الدولة، بل هناك من يعتبر المطالبة بالإرجاع استهدافا له.
استمرار منطق الاستخفاف بالمال العام أمر يضر بسمعة الأحزاب السياسية، ويسيء للاختيار الديمقراطي ويضر بالحياة السياسية، بل ويشجع على التطاول على مال دافعي الضرائب من طرف كل من هب ودب مادام أن «الفقيه اللي ترجينا براكتو دخل للجامع ببلغتو».