شوف تشوف

الرأي

الفشل في إخماد العنف باسم الدين

رضوان السيد
صدر كتيب برنارد لويس بعنوان «أزمة الإسلام.. كيف حصل الفشل؟» عام 2001، قبل هجمات «القاعدة» على الولايات المتحدة بشهور قليلة. وهو يملك نظرية معروفة عن فشل المسلمين في الدخول إلى الحداثة، ولأنهم فشلوا في التقدم ومجاراة الغرب فقد انقلبوا ضده، وصعدت بينهم موجهات الكراهية والعنف! وكما سبق القول، فما كانت مقولته هذه جديدة على قرائه، لكنها ما اكتسبت شهرة، إلا عندما اقتبس صامويل هنتنغتون من مقالة له عنوانها «جذور الغضب الإسلامي» (1990).
لماذا أذكر هذا كله الآن؟ لأنه قبل أكثر من شهر مرت الذكرى العشرون على هجمات الحادي عشر من شتنبر. ولأن ذلك العنف الهائل يثير الشجون والغضب في كل مرة، فقد عدت لقراءة الكتابين الشهيرين عن «القاعدة» وابن لادن وواقعة 11 شتنبر، وهما كتاب توماس هيغهامر «القافلة.. عبد الله عزام وصعود الجهاد العالمي»، وكتاب لورانس رايت «البروج المشيدة.. القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر».
وبالطبع يركز الكتابان على فشل المخابرات الأمريكية وأجهزة الرصد الغربية الأخرى في الحيلولة دون تمكن دعوة الجهاد العالمي تلك من مهاجمة الولايات المتحدة، وقتل آلاف الأمريكيين والآخرين. بيد أن الجانب الذي يهمنا نحن العرب والمسلمين هو القصة الملحمية المروعة لنشوء «ثقافة العنف» تلك، وتعملقها داخل أوساط الفئات الوسطى في المجتمعات العربية والإسلامية، في الديار العربية الإسلامية وفي أوساط مسلمي المَهاجر.
إن كل الخبراء والاستراتيجيين منهمكون في الحديث عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد عشرين عاما من الحرب عليها. والمسؤولون العسكريون الأمريكيون يمثلون أمام الكونغرس، تارة لإنكار الفشل، وتارة أخرى لإيضاح علله وأسبابه. ولو تأملنا الأمر بتجرد وموضوعية فإنه يكون علينا عربا ومسلمين أن نعتبر أنفسنا مسؤولين أيضا ربما بقدر مسؤولية الأمريكيين والسياسات الدولية.
ولا أقصد بالمسؤولية الحملات العسكرية والأمنية وأننا قصرنا فيها، كما قصر الأمريكيون الأقوى بما لا يقاس، بل نحن مسؤولون عن تلك الثقافة العنيفة والإجرامية والتي نشأت في أوساط مجتمعاتنا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وتطورت إلى عنف عنيف لا روادع له من دين أو ضمير، وكل ذلك باسم الإسلام!
لقد خضت كما خاض كثيرون، وخلال العقود الثلاثة الماضية، نقاشات مستمرة مع المثقفين والسياسيين العرب والمسلمين والغربيين، لاستقراء هذه الظاهرة المخيفة، والتي تأبى إلا أن تتخذ لنفسها طابعا طهوريا يتأصل في الأرواح والنفوس والنصوص. وبالوسع القول إننا خضنا «حرب أفكار» مع المتطرفين والإرهابيين. ولست أزعم في هذا المعرض أن العلماء والمؤسسات الدينية لم تؤثر، وكذلك رجال الدولة والفكر والإعلام. لكن علينا أن نعترف بأن الظاهرة لم تخمد رغم الحروب الطويلة، العسكرية والأمنية والفكرية.
ما استطار العنف وانتشر في أوساط الفقراء والمعدمين فقط، بل أيضا في أوساط أبناء وبنات الفئات الوسطى التي عرفت الغرب وحضارته ومجتمعاته. وفي الوقت الذي يخرج الآلاف من شبابنا لمصارعة الغرب، فإن الملايين منا استقروا بالبلدان الغربية، أو يطمحون إلى الهجرة والاستقرار ولو طوتهم في مغامرتهم تلك أعماق البحار! ليست رؤية برنارد لويس صحيحة على إطلاقها، فالذين يكرهون الغرب قلة، بينما المحبون بملايين الملايين. لكن من جهة أخرى، وسواء كره المرء هذا الأمر أم أعرض عنه، فليس من المعقول أن يكون جزاؤه منه العنف أو القتل أو الاستعراض وحملات الإبادة!
لقد صار العنف المنظم، سواء أتى من الميليشيات المسلحة المستقلة أم من الدول التي تستخدم ميليشيات، ثقافة وممارسة مخيفة، ولذلك يتعذر التنبؤ بنهايات لها. هذا واقع لا يجوز قبوله أو السكوت عنه أو التسليم به.
قبل أيام أعلنت الدولة الفرنسية مجددا عن إقفال ستة مساجد، وبعض المدارس الخاصة الإسلامية. وكنا قد سخطنا من قبل سخطا شديدا على الرئيس ماكرون، لأنه ضغط ضغطا شديدا على الدائرة الإسلامية، لوقف العنف ضد المجتمع الفرنسي. وما وجدت نفسي هذه المرة ساخطا على إجراءات الرئيس، بل حزينا وكئيبا: لماذا نفشل نحن المسلمين في تجاوز ثقافة العنف باسم الإسلام ونتشاطر في محاسبة الأمريكيين والفرنسيين؟

* نقلا عن «الاتحاد»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى