الفساد يهزم الحكومة كلفة اقتصادية واجتماعية بفاتورة ثقيلة
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
لم تدم نشوة رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، طويلا وهو يقدم حصيلة حكومته في محاربة الرشوة والفساد، حتى جاء التقرير الصادم لمنظمة الشفافية العالمية (ترانسبارنسي)، الذي سجل تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد الذي يصدر عالمياً من طرف الشبكة الدولية، حيث انتقل من المرتبة 73 من أصل 180 دولة سنة 2018، إلى الرتبة 80 عالمياً في سنة 2019. وكشفت المنظمة «غياب أي تغيير نحو محاربة الفساد، والاستمرار والركود في منطقة الفساد النسقي»، مشيرة إلى أن «الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد التي صُودق عليها سنة 2015 لم تُفعل بالشكل المطلوب». ورغم كل التدابير المتخذة لمحاربة الفساد والرشوة، مازال المغرب يحتل مراتب أخيرة في التصنيف العالمي، وهو ما أكدته تقارير البنك الدولي لسنة 2019، حيث نبهت إلى أن الفساد يكلف المغرب أكثر من 50 مليار درهم سنويا، وهذا ما يساوي 2 في المائة من النمو الاقتصادي، وهذا المبلغ يمكن توظيفه للرفع من ميزانية القطاعات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة.
بعد مرور ثماني سنوات قضاها حزب العدالة والتنمية في قيادة الحكومتين السابقة والحالية، رافعا شعار «محاربة الفساد والريع»، صدر تقرير صادم عن منظمة الشفافية الدولية «ترانسبارنسي»، أكد تراجع المغرب في سلم مؤشرات إدراك الرشوة خلال السنة الماضية، وبذلك يكون قد فضح الشعار الانتخابي الذي رفعه الحزب الحاكم قبل أن يتحول إلى شعار «عفا الله عما سلف»، وبذلك يكون الفساد قد هزم الحكومة وليس العكس، ما ستكون له انعكاسات خطيرة، من خلال كلفته الاقتصادية والاجتماعية.
العثماني متفائل
في معرض جوابه عن سؤال محوري بمجلس المستشارين حول «الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد»، خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، أكد العثماني أن «تحقيق النجاح في مكافحة الفساد ومحاصرته من شأنه الإسهام في تحقيق التنمية المنشودة وتحسين مناخ الاستثمار والأعمال، والرفع من مستوى عيش المواطنين، الأمر الذي يستدعي مكافحة الآفة في إطار رؤية موحدة ينخرط فيها الجميع». وأبرز رئيس الحكومة أن المملكة «منخرطة إراديا في محاربة ومكافحة الفساد، لما له من انعكاسات سلبية على المجتمع، ولكونه يشكل إحدى العقبات الرئيسية التي تعيق التنمية والاستقرار في أي بلد». وأعرب العثماني، في هذا الصدد، عن استعداد الحكومة للعمل على تضييق الخناق على الفساد بشتى أنواعه، مشددا على أنه «ليس بالتهويل يمكن كسب المعركة، وليس بالتعميم سنضع الأصبع على مكامن الضعف..»، ومبرزا أن المملكة وعت، بشكل مبكر، بالأخطار الحالية والمستقبلية لظاهرة الفساد وبنتائجها الوخيمة على كافة الأصعدة، «ما جعلها تنخرط طواعية في محاربته ومحاصرته، جاعلة هذا الأمر في صلب انشغالات الدولة».
وذكر العثماني بمصادقة المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2007، وعلى الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد، إضافة إلى إفراد دستور 2011 بابا كاملا لموضوع الحكامة الجيدة، كما تم إحداث مؤسسات دستورية لهذا الغرض.
وتوقف رئيس الحكومة عند الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي اعتمدها المغرب للفترة ما بين 2016 و2025، والتي صيغت بطريقة تشاركية دامجة، أحدثت في إطارها لجنة وطنية بتمثيلية واسعة، للسهر على تنزيل هاته الاستراتيجية التي اعتبرها أساسية، لأنها «تهدف لتعزيز ثقة المواطنين في المؤسسات بجعل الفساد في منحى تنازلي بشكل ملموس ومستمر». وفي هذا السياق، أشار رئيس الحكومة إلى التزام الحكومة في برنامجها بتعزيز منظومة النزاهة ومواصلة محاربة الفساد، والعمل على تحسين تصنيف المغرب في المؤشر الدولي لإدراك الفساد، وضمان التنزيل الأمثل للاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، إلى جانب ترسيخ منظومة القيم لدى المغاربة انطلاقا من المرجعية الدينية والوطنية، لا سيما الحرية والمسؤولية والنزاهة والمواطنة وحسن تدبير المال العام والمحافظة عليه، وكذا إرساء آلية لضمان سرعة التفاعل مع شكايات المواطنين المتعلقة بالرشوة وخرق مقتضيات النزاهة.
وفي ما يتعلق بحصيلة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، تطرق رئيس الحكومة لما تحقق في مجال تحسين خدمة المواطن من خلال تحسين بنيات الاستقبال داخل الإدارات العمومية وتبسيط الخدمات وإطلاق بوابة الشكايات، إلى جانب التقدم في رقمنة الخدمات الإدارية والرفع من عدد الخدمات الإدارية الموضوعة على الخط والموجهة للمرتفقين، وتوقف عند جملة من البرامج المساهمة في مكافحة الفساد، ويتعلق الأمر أساسا بالبرامج الرامية إلى إرساء الشفافية والوصول إلى المعلومات، وتعزيز الأخلاقيات وضمان الرقابة والمساءلة، إلى جانب تقوية المتابعة والزجر. ولم يفوت رئيس الحكومة الفرصة للإشادة بما راكمته البلاد في مجال مكافحة الفساد وبداية بروز مؤشرات إيجابية تدل على ذلك، لافتا إلى ضرورة إتمام مسيرة محاربة الفساد رغم أنها «طويلة ومضنية، وهي بمثابة ورش وطني جماعي ومفتوح، نجاحه رهين بتظافر جميع الجهود وبانخراط الجميع بشكل واع وفعال».
الحكومة عاجزة
سجلت دراسة أنجزتها جمعية «ترانسبرانسي المغرب»، حول تقييم النظام الوطني للنزاهة، انعدام الإرادة السياسية للتصدي بقوة للفساد. وأكدت الدراسة أن قياس حجم الفساد الذي تم في المغرب لأكثر من عقد من الزمان، يثبت أن البلاد مستوية جيدا في الفساد، وهذه المعاينة تؤكدها القياسات والمؤشرات المختلفة المتعلقة بالحكامة وسيادة القانون والوصول إلى المعلومات، أو ممارسة الحريات السياسية والمدنية. وبخصوص مؤشر إدراك الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، حصل المغرب على مراتب متأخرة خلال السنوات الأخيرة.
وفي ما يتعلق بدفع الرشاوى أو تحصيلها، حسب المؤسسة، كانت النتائج أيضا مخيبة للآمال، ما دفع «ترانسبرانسي» المغرب للتسطير على ذلك بقوة في البيان الذي أصدرته بالمناسبة، وذلك بعدما تم تسجيل تفشي الفساد بقوة في العديد من القطاعات ومنها حتى الأحزاب السياسية. وبالنظر إلى هذه النتائج وإلى الحالات التي تمت الإشارة إليها من قبل وسائل الإعلام والمجلس الأعلى للحسابات، خلصت الدراسة إلى أن الرشوة لا تستثني أي قطاع في المغرب، مؤكدة أن هذه الأرقام تجد تأكيدها في التحقيقات التي أجرتها وكالات وهيئات دولية أخرى.
وأشارت الدراسة إلى أن الملاحظة اليومية للظاهرة، تبين أن حالات الفساد كثيرة ومتنوعة من حيث القطاعات المعنية، وهي تتجاوز التراب الوطني للوصول إلى تمثيليات إدارية ومقاولات خاصة وطنية خارج المغرب. أما في ما يتعلق بالحكومة، فتحدثت الدراسة عن نوعين من المواقف المتناقضة مما يعكس غياب الإرادة السياسية وعدم وجود استراتيجية وطنية واضحة وذكية لمعالجة مشكلة الفساد من جهة، يتبنى خطاب معظم المسؤولين كل المفاهيم والمقولات حول الحكامة والشفافية ومكافحة الفساد، لكن، من حيث الممارسة والإجراءات، فمن جهة هناك الانتقائية في المتابعات القضائية والإفلات من العقاب لصالح الكثير من الحالات، ومن جهة ثانية القيام بأعمال شكلية دون تأثير أو إثارة الكثير من الارتباك. وهكذا، تم إطلاق محاكمات للمديرين العامين للقرض العقاري والسياحي والمكتب الوطني للمطارات، ولم تفتح التحقيقات القضائية في ملف مزاعم الاختلاس أو سوء التدبير في صفقة اللقاحات، وكذلك ينظم رئيس الحكومة والوزراء وبعض الوزارات ندوات حول التطهير ومكافحة اقتصاد الريع، ولكن لم يتم نشر إلا قوائم المستفيدين من الامتيازات فقط، ويعلن مرارا عن الإرادة في مواجهة جماعات الضغط واقتصاد الريع ولا يتم إلا إطلاق حملة للتواصل والتوعية معزولة، ومدعومة عن طريق وسائل إعلام رسمية ونشر ملصقات في المكاتب الإدارية. وفي ما يتعلق بالتشريع، تقول الدراسة إنه، باستثناء القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية في موضوع حماية الضحايا والشهود والخبراء والمبلغين عن المخالفات بخصوص جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ، ظلت مشاريع قوانين مهمة، قديمة، تمت مناقشتها وتعديلها عدة مرات، مجمدة على مستوى الأمانة العامة للحكومة.
وتؤكد التقارير الدولة المنجزة، أن الحكومة لم تبارح مكانها في محاربة الفساد ونهب المال العام، ولم تلتزم الحكومة بما ورد في البرنامج الحكومي بمكافحة الفساد في تدبير الشأن العام. وسبق لرئيس الحكومة الإعلان عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات تتمثل في العمل على تقوية مؤسسات الرقابة والمحاسبة وتكريس استقلالها وتفعيل توصيات تقاريرها عبر توطيد دور المفتشية العامة للمالية من خلال تحديث المنظومة القانونية المؤطرة لتدخلاتها، ناهيك عن أن حزب العدالة والتنمية جعل من شعار «محاربة الفساد» قضيته المركزية خلال حملته الانتخابية، والتي بوأته نتائجها المرتبة الأولى التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة.
وتوصلت الحكومة بالعديد من الشكايات حول الفساد والرشوة، وذلك عن طريق الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة. وبخصوص مآل الشكايات التي تمت إحالتها سواء على السلطات القضائية أو الإدارية، فقد سجلت الهيئة المركزية أن أغلب الإجابات التي تم التوصل بها تفيد بالإحالة على مصالح البحث أو أجهزة المراقبة والتفتيش التابعة للإدارات المعنية، كما سجلت بعض التأخير في الإفادة بالتدابير والإجراءات المتخذة بشأنها. وتقترح الهيئة منحها صلاحيات واسعة من خلال توسيع مفهوم الفساد والتجاوب مع السقف الذي منحه الدستور لهذه الأخيرة في «المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد»، من خلال تمكينها بشكل خاص من حق المبادرة، تلقائيا أو بطلب، بإبداء الرأي، وموافاتها بمآل توصياتها وآرائها وتبليغاتها، مع تعليل قرارات الحفظ التي قد تُتخذ من طرف النيابات العامة بشأن محاضر تحرياتها، وأيضا تمكين الهيئة بشكل واضح من حق الحصول على الوثائق والمعلومات داخل الآجال التي تحددها، وعدم الاعتراض على عمليات التحري التي تقوم بها أو الاحتجاج بالسر المهني في مواجهتها، وتخويلها الضمانات القانونية لمواجهة الحالات المحتملة لعدم التجاوب مع صلاحياتها، إضافة إلى تخويل محاضر مقرري الهيئة الحجية القانونية المطلوبة.
ما مصير تقارير جطو؟
كشفت التقارير التي أصدرها المجلس الأعلى للحسابات، خلال السنوات الأخيرة، عن وجود اختلالات خطيرة في تدبير المال العام. فرغم الأهمية التي تكتسيها هذه التقارير، فإن هناك قصورا في النصوص القانونية المتعلقة بإحالة هذه الملفات على القضاء، وتحريك المتابعة القضائية في حق المتورطين، وكذا، محدودية الرقابة التي يمارسها قضاة هاته المحاكم، لعدم توفرها على قوة الردع، مما تكرس معه نهب المال العام وسوء التدبير وتبذير الأموال العمومية. ولهذا يبقى من الضروري تشريع قوانين رادعة لتمكين المحاكم المالية من سلطات تمكنها من الوسائل البشرية والمادية لبسط رقابتها على مختلف الأجهزة المكلفة بإدارة المال العام، وربط جسر من التواصل بينها وباقي الأجهزة المعنية بحماية المال العام بمختلف القطاعات.
وحسب مدونة المحاكم المالية، فإن تحريك المتابعة القضائية يكون مشروطا بمجموعة من الشروط والمساطر. وتنص المدونة على أنه إذا اكتشف المجلس أفعالا من شأنها أن تستوجب عقوبة تأديبية، أخبر الوكيل العام للملك بهذه الأفعال، السلطة التي لها ﺣق التأديب بالنسبة للمعني بالأمر، والتي تخبر المجلس خلال أجل ستة أشهر في بيان معلل بالتدابير التي اتخذتها، أو إذا كان الأمر يتعلق بأفعال يظهر أنها قد تستوجب عقوبة جنائية، رفع الوكيل العام للملك الأمر من تلقاء نفسه أو بإيعاز من الرئيس الأول إلى وزير العدل قصد اتخاذ ما يراه ملائما، وأخبر بذلك السلطة التي ينتمي إليها المعني بالأمر، ويخبر وزير العدل المجلس الأعلى للحسابات بالتدابير التي اتخذها.
وحددت المدونة الأشخاص المعنيين بالمسطرة المتعلقة بالميزانية والشؤون المالية، وتشمل حسابات المحاسبين العموميين والموظفين والأعوان الذين يعملون تحت سلطتهم أو لحسابهم، وعلى كل مراقب الالتزام بالنفقات والمراقبين الماليين والموظفين والأعوان العاملين تحت إمرتهم أو لحسابهم. كما أنها رقابة تمارس في حق الآمر بالصرف والآمر بالصرف المساعدين، وكذا الأعوان الذين يشتغلون تحت سلطتهم أو لحسابهم في نطاق اختصاصاتهم المالية. وتختص المحاكم المالية بالبت والتدقيق والتحقيق في طرق تدبير العمليات المالية العمومية من مداخيل ونفقات الميزانية العامة لتحديد المسؤولية عن أي اختلالات تشوبها ومعاقبة التجاوزات والخروقات الثابتة في حق المعنيين بالأمر. وتسري العقوبات المنصوص عليها في مدونة المحاكم على كل آمر بالصرف أو آمر مساعد بالصرف أو مسؤول وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت إمرتهم أو لحسابهم، إذا ما اقترفوا أثناء ممارسة مهامهم إحدى المخالفات المالية المنصوص عليها في الفصل المذكور.
ويرى خبراء القانون أن مسطرة المتابعة تبقى منقوصة، لكونها تستثني من الرقابة والمتابعة أهم فئة من الآمرين بالصرف، وهم الوزراء الذين يديرون المالية العامة في منبعها، وهو ما يؤثر على نجاعة المحاكم المالية في الرقابة، ويجعل مراقبة المال العام محدودة، أمام صعوبة إثارة المسؤولية الجنائية للوزراء أمام المحاكم. وتنص المادة 52 من مدونة المحاكم المالية، على أنه لا يخضع للاختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب ومجلس المستشارين عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة.
وبخصوص الإجراءات المسطرية للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، فإنه بخلاف مسطرة البت في الحسابات، فان مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية تتميز بمسطرة خاصة في طريقة تحريك المتابعة وفي سير المسطرة. وطبقا للفصل 57 من قانون المحاكم المالية، فإن اختصاص تحريك المتابعة مسنود للوكيل العام أو وكيل الملك بالمجلس الأعلى للحسابات تلقائيا أو بطلب من الرئيس الأول أو إحدى هيئات المجلس. كما يمكن أن يتوصل الوكيل العام بتقارير الرقابة أو التفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة تستوجب المتابعة من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو الوزير المكلف بالمالية، أو الوزراء في ما يخص الأفعال المنسوبة إلى الموظفين والأعوان العاملين تحت سلطتهم، أو العاملين في المؤسسات الخاضعة لوصايتهم. وبالنسبة للمجالس الجهوية للحسابات، فإن القضية ترفع بواسطة وكيل الملك إلى المجلس من طرف وزير الداخلية والوزير المكلف بالمالية، بعد الإدلاء بتقارير الرقابة أو التفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة، طبقا للفصل 138 من قانون المحاكم المالية.
وإذا اقتنع الوكيل العام أو وكيل الملك حسب الحالة، بثبوت الأفعال في حق المعنيين بالأمر، فإنه يقوم بالمتابعة ويتقدم إلى رئيس المجلس بملتمس تعيين مستشار مقرر مكلف بالتحقيق، ويبلغ المعنيين بالأمر بالمتابعة وفقا لقواعد المسطرة المدنية في التبليغ، كما يخبر الوزير المعني ووزير المالية والوزير الوصي على الإدارة التي يعمل بها المتابع، لكن إذا لم يقتنع بثبوت الأفعال المنسوبة للمعني بالأمر، فإنه يحفظ القضية بقرار معلل ويبلغ ذلك للجهة التي عرضت عليه القضية. إن قرار الحفظ هذا ليس قرارا نهائيا وإن كان لا يقبل الطعن وإنما يمكن التراجع عنه كلما ظهرت وسائل جديدة لإثبات المخالفات المنصوص عليه بالفصول من 54 إلى 56 من قانون المحاكم المالية .
محمد المسكاوي : رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام
الفساد يتغول ويجب وضع عقوبات حبسية في قانون تجريم الإثراء غير المشروع
تزامنا مع صدور تقرير «ترانسبارنسي»، كيف تقيمون وضعية الفساد بالمغرب حاليا؟
لا بد من التذكير هنا بأن الشبكة سبق لها أن نظمت ندوة صحفية سنة 2011، قدمت من خلالها مطالبها المتعلقة بمكافحة الفساد من أجل إدراجها بالوثيقة الدستورية، تم الأخذ بجزء منها وإغفال العديد من الاقتراحات الجوهرية الهامة المتعلقة بإقرار فصل حقيقي للسلط ووضع الآليات الدستورية الضامنة لتنزيل قواعد المساءلة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب وإرجاع الأموال المنهوبة. وبالرغم من هذه الملاحظات سجلنا بإيجابية بعض المستجدات الدستورية، ومنها توسيع مجال اشتغال السلطتين الحكومية والبرلمانية لتضطلعا بأدوارهما في حماية المال العام، وكذا الارتقاء بمؤسسات الحكامة إلى هيئات دستورية مستقلة، وعلى رأسها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة وتوسيع اختصاصات المجلس للأعلى للحسابات. وكنا نتوقع كباقي المغاربة أن تقوم الحكومة التي جاءت بعد الدستور أن تتفاعل مع مطالبنا التي تقدمنا بها آنذاك، حيث طالبت الشبكة الحكومة والبرلمان آنذاك باتخاذ إجراءين عاجلين، أولهما تحريك الملفات الراكدة بالمحاكم التي انطلقت مع حكومة التناوب، والتي كانت محط لجان تحقيق برلمانية، والتفاعل الإيجابي والسريع مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات، بينما يتمثل الثاني في وضع مخطط تشريعي يتلاءم مع مضامين الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، يروم تحديث القوانين المتعلقة بمجال الحكامة والوقاية والتحسيس، ومحاربة الفساد في ظل سلطة قضائية مستقلة ونزيهة كمؤشر على توفر الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد.
وهل تم التفاعل مع مطالب الشبكة بخصوص تحريك ملفات الفساد؟
ما وقع هو أننا فوجئنا بإشارات تبرز التراجع في ملف الفساد، ولعل أوضحها وأخطرها ما صرح به رئيس الحكومة السابق، في برنامج تلفزي، في موضوع الفساد بقوله «عفا الله عما سلف». هذا التصريح ستتم ترجمته على أرض الواقع من خلال المقترح الذي تضمنه قانون المالية لسنة 2014 وقانون المالية لسنة 2020 تحت ذريعة سد العجز المالي، والقاضي بالتصالح مع مهربي الأموال إلى الخارج عبر إبطال المتابعات القضائية وضمان سرية هوياتهم ومعاملاتهم، مقابل أدائهم القليل من الرسوم، في تناقض صارخ مع مبدأ عدم الإفلات من العقاب والمحاسبة، وفي تشجيع لتفريخ مشاريع ناهبي المال العام، إضافة إلى التأخر في إصدار القوانين التنظيمية والعادية التي نص عليها الدستور والمتعلقة بالحكامة، وأحالت معظمها إلى البرلمان في أنفاسها الأخيرة، ومنها القانون الجديد للهيئة الوطنية للنزاهة، والقانون المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومة، وكذا الإعلان عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد أواسط سنة 2016، والتي لم ينطلق العمل بها إلا في سنة 2018، تاريخ ترؤس رئيس الحكومة لأشغال اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، إضافة إلى القانون المتعلق بالثراء غير المشروع الذي جاء خاليا من العقوبات الحبسية التي تأتي ضمن مفهوم الزجر والردع.
أعلنت الحكومة السابقة، في بداية ولايتها، عن فتح ملفات الفساد والريع، وهددت بنشر اللوائح وغير ذلك..، ماذا تحقق من ذلك؟
الحكومة السابقة قامت بمبادرات خجولة، كانت أولاها الإعلان المبتور عن بعض أسماء المستفيدين من رخص النقل العمومي «لكريمات» دون أن تواكبها إجراءات قانونية صارمة تقطع مع هذا الريع، والانتقال للعمل في إطار دفتر للتحملات يضمن المنافسة العادلة بين الشركات والجودة للمسافرين، إلى جانب الريع المتمثل في رخص المقالع والرمال والصيد في أعالي البحار، الذي يضيع على خزينة الدولة ملايير الدراهم، لتقوم الحكومة بعدها بالإعلان عن لائحة خاصة بالموظفين الأشباح بقطاع التعليم، وبعض التعديلات القانونية البسيطة، ومنها قانون تبيض الأموال الذي تضمن لأول مرة الأموال المتأتية من جرائم الفساد والرشوة.
وعلى المستوى البرلماني، فإن عمل البرلمان لا يختلف عن العمل الحكومي في مجال مكافحة الفساد، ينضاف إلى ذلك كون البرلمان المغربي لا زال يشكل غرفة لتسجيل القوانين والمصادقة عليها، وهيمنة المبادرة التشريعية للسلطة الحكومية باستعمال ورقة الأغلبية. وفي هذا الصدد، نسجل، أيضا، التأخير الكبير الذي طال المصادقة على القانون التنظيمي المتعلق باللجان النيابية لتقصي الحقائق، والذي صدر مع قرب نهاية سنة 2014، ودون استغلاله من طرف السلطة التشريعية في تقصي الحقائق حول الخروقات التي طالت بعض المؤسسات العمومية والمقاولات الوطنية، باستثناء مبادرات محتشمة، ومن بينها ملف التقاعد، والتي انصرف النقاش بعدها حول متابعة مستشار برلماني وأربعة صحفيين بتهمة إفشاء السر المهني، بدل مناقشة مصير أموال المنخرطين بالصندوق وتنفيذ التوصيات الصادرة عن التقرير، إضافة إلى تهرب العديد من الفرق النيابية من إدراج العقوبات الحبسية ضمن تعديلاتها المتعلقة بالإثراء غير المشروع الذي جاء في مشروع القانون الجنائي.
إن هذا التأخير الحكومي في التفاعل الإيجابي مع قضايا الفساد كوّن لدينا، في الشبكة المغربية لحماية المال العام، خلاصة بأن الحكومة لا تتوفر على الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد.
بالنسبة لكم في الشبكة، ما الكلفة الاقتصادية لتفشي ظاهرة الفساد؟
إن الشبكة المغربية لحماية المال العام تؤكد أن استمرار الفساد واتساع دائرته وبطء وضعف الإجراءات الحكومية، وتراجع المشهد السياسي له تكلفة ثقيلة على الاقتصاد الوطني الذي يخسر سنويا 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وهو ما ينعكس سلبا على معدلات النمو المتدنية، ولا يسهم في توفير الحقوق الأساسية للمغاربة المتعارف عليها دوليا والمنصوص عليها دستوريا، وأهمها الحق في الشغل الكريم والسكن اللائق والعلاج المجاني والتعليم المنتج، وفك العزلة عن العالم القروي والمناطق النائية، كما يؤثر على تنافسية المقاولات خاصة الصغرى والمتوسطة التي أعلنت مجموعة كبيرة منها عن إفلاسها. هذه النتائج السلبية في مختلف القطاعات، والتي نبهت إليها الشبكة منذ سنة 2002، تؤكد فشل النموذج التنموي الذي تم نهجه طيلة هاته السنوات بمعزل عن محاربة الفساد.
إن هاته الوضعية وقصور القوانين والمبادرات المبتورة جعلت المغرب يتراجع في مؤشر مدركات الفساد العالمي، حسب النتائج التي نشرتها منظمة الشفافية الدولية أخيرا لسنة 2019، حيث انتقل إلى الرتبة 80 من أصل 180 دولة شملتها النتائج، بدل الرتبة 73 سنة 2018، كما تقهقر درجتين في المعدل العام، حيث حصل على الدرجة 43/100 سنة 2018 لينتقل إلى الدرجة 41/100 لسنة 2019 أي دون المتوسط. هذا التراجع يتطلب من أجهزة الدولة الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد عبر إصدار مدونة جامعة وشاملة للقوانين ذات الصلة بمكافحة الفساد والتعامل الفوري والإيجابي مع تقارير المؤسسات الرسمية وشكايات المجتمع المدني العامل في الميدان.
ما مطالب ومقترحات الشبكة لمحاربة الفساد؟
تطالب الشبكة كافة أجهزة الدولة المنصوص عليها دستوريا والمؤتمنة على تدبير الشأن العام، بالانخراط الصريح والمباشر في مكافحة الفساد، عبر إعادة النظر في المنظومة القانونية الوطنية، وعلى رأسها التصريح بالممتلكات من خلال اعتماد اقتراحاتنا المتمثلة في النشر العلني بالجريدة الرسمية لتلك التصاريح، انطلاقا من الحق في الوصول للمعلومة ومبادئ الشفافية، خاصة وأن الأمر يتعلق بالمسؤوليات العمومية، وأن يشمل التصريح ممتلكات الأبناء البالغين والزوجة أو الزوج، حيث يلجأ البعض، وكما أبانت الممارسة، إلى تسجيل ما راكموه من ممتلكات بطرق مشبوهة في أسمائهم تحايلا على القانون، وإبراء الذمة، وهي شهادة يسلمها المجلس الأعلى للحسابات للمعني بالأمر، بعد انتهاء مهامه الانتدابية أو الرسمية بعد التحقق من سلامة ذمته المالية، وحذف الشرط القانوني المتعلق بإحالة الملفات ذات الشبهة الجنائية، برسالة من الوكيل العام للمجلس الأعلى للحسابات إلى وزير العدل سابقا ورئيس النيابة العامة حاليا، وأن تصبح المتابعات تلقائية فور نشر التقارير للعموم ووضع جدول زمني معروف لعمليات المراقبة، مع توفير المزيد من الأطر البشرية للمجلس نظرا لكثرة الملفات، في أفق إنشاء قضاء متخصص في الجرائم المالية ينضاف إلى التنظيم القضائي للدولة،
وكذا الرفع من العقوبات الحبسية المدرجة في القانون المتعلق بمكافحة غسل الأموال التي لا تتجاوز خمس سنوات، وهي جزاءات غير كفيلة بالردع ولا تسهم في تبني مفهوم عدم الإفلات من العقاب. ووضع ضمانات واضحة للمبلغين عن جرائم الفساد والشهود وحمايتهم من الانتقام والتعسفات، بما يضمن انخراط المواطن في التبليغ عن جرائم الرشوة.
هناك قانون معروض للمصادقة على أنظار لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، ينص على تجريم الإثراء غير المشروع، هل سيساهم في الحد من الفساد؟
ندعو البرلمان إلى تبني مقترحات الشبكة في ما يخص الإثراء غير المشروع، من خلال تضمين العقوبات الحبسية في تعديلاتهم، والتشديد على حرمان المدانين بأحكام قضائية من ممارسة جميع الوظائف أو المهام بصفة نهائية، عكس منطوق المادة 86 من القانون الجنائي التي حددت الحرمان في أقل من 10 سنوات، أخذا بعين الاعتبار أن جرائم نهب الأموال العمومية جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، لأنها ترهن مصير ومستقبل أجيال بكاملها وضرب لأسس التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتنصيص صراحة على مصادرة واسترجاع الأموال التي تم تحويلها وتملكها من طرف المختلس لفائدته أو لفائدة أبنائه أو زوجه؛ وتحصيلها لفائدة الخزينة العامة.
وبخصوص قانون الحق في الوصول إلى المعلومة، تجب إعادة النظر من خلال توسيع لائحة الهيئات والمؤسسات المعنية بهذا القانون، والواردة في المادة 2 منه، بحيث تضم المقاولات الخاصة وكل التنظيمات، من جمعيات ونقابات ومؤسسات إعلامية وأحزاب سياسية، التي تحصل على دعم مالي عمومي أو التي تتولى إنجاز مشاريع لها وتستفيد من هذا الدعم، والتقليص من الاستثناءات، إضافة إلى إعادة ترتيب أولويات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، ونقل تتبع تنيفذها إلى الهيئة الوطنية للنزاهة، مع العمل على الوقف الفوري لكل مظاهر الريع والامتيازات، واسترجاع الأموال المنهوبة والأراضي العمومية التي تم الاستيلاء عليها، والأراضي الفلاحية التي لم يلتزم المستفيدون منها بدفتر التحملات، وتحريك المتابعات القضائية وتنزيل الجزاءات على المخالفين وفق المحاكمة العادلة وليس الانتقائية، وهي التدابير التي ستضمن التوزيع العادل للثروة والمجال وتحافظ على السلم الاجتماعي، والرفع من القدرة الشرائية للمواطنين التي أنهكت بفعل الاقتطاعات الضريبية.
«ترانسبرانسي»: الفساد يعيق التنمية والحكومة فشلت في محاربته
اعتبرت منظمة (ترانسبرانسي- المغرب) أن النقاش الحالي حول النموذج التنموي الجديد يستوجب الأخذ في الاعتبار جدية مكافحة الفساد والقطع تماما مع اقتصاد الريع. وأكدت المنظمة غير الحكومية، في ندوة صحفية خصصت لتقديم تقرير حول مؤشر مدركات الفساد لعام 2019 ومقياسه العالمي في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط و(مينا)، على «ضرورة تعزيز دور المؤسسات المسؤولة عن الحفاظ على التوازن وفصل السلطات وسد الثغرات في تطبيق التشريعات».
وشددت المنظمة، في تقريرها، أيضا، على تعزيز استقلالية القضاء ودعم منظمات المجتمع المدني التي تساهم في تتبع النفقات والصفقات العمومية، فضلا عن دعم وسائل الإعلام الحرة والمستقلة. ويدعو التقرير، الذي قدمه عز الدين أقصبي، وهو خبير اقتصادي وعضو (ترانسبرانسي- المغرب)، إلى تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة هذه الظاهرة، والنهوض بالشفافية والمساءلة من خلال الإصلاح واعتماد قانون حول تضارب المصالح، وإلى ضرورة مراجعة القوانين بغية ضمان حماية الشهود والإصلاح الفعلي للنصوص القانونية المتعلقة بالتصريح بالممتلكات.
وحسب التقرير، فإن المغرب، الذي حصل على معدل متوسط بـ 38.75 خلال السنوات الثماني الماضية، خسر نقطتين وسجل تراجعا بـ 7 درجات في التصنيف المتعلق بهذا المؤشر، ليحتل المرتبة 80 بينما كان السنة الماضية في المرتبة الـ73. كما يرتكز مؤشر مدركات الفساد لعام 2019 على دراسات استقصائية مختلفة لتحديد درجة وتصنيف الدول على سلم الرشوة والعجز على مستوى الشفافية، يتراوح من 1 (جد فاسد) إلى 100 (قليل الفساد)، حيث يعتمد مؤشر 2019 على 13 تحقيقا وتقييما من إنجاز وكالات وخبراء لقياس فساد القطاع العام في 180 بلدا.
وكشف الاستطلاع الذي أجرته المنظمة أن 74 في المائة من المغاربة يعتبرون أن الحكومة تقوم بعمل سيئ في مكافحة الفساد، حيث أظهرت أرقام الاستطلاع أن عدم ثقة المواطنين في عمل الحكومة الخاص بمحاربة الفساد ارتفع بمعدل 10 نقاط، من 64 في المائة سنة 2015 إلى 74 بالمائة في 2019، فيما يعتقد 41 في المائة من المغاربة الذين شاركوا في الاستطلاع أن أعضاء البرلمان مرتشون، وتصل النسبة إلى 37 في المائة بالنسبة للمسؤولين الحكوميين و38 في المائة بالنسبة للمسؤولين الترابيين، و 28 في المائة بالنسبة لرجال الأعمال. فيما طالب المستجوبون في الاستطلاع بسد الثغرات في مجال إنفاذ القوانين وتطبيق التشريعات، وتعزيز المؤسسات المسؤولة عن الحفاظ على التوزان بين السلط، ودعم منظمات المجتمع المدني التي تساهم في تتبع النفقات والصفقات العمومية، خاصة في الجوانب المتعلقة بالحصول على المعلومة.
وسجلت المنظمة تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد الذي يصدر عالمياً من طرف الشبكة الدولية، موضحة، في تقريرها، أن المغرب انتقل من المرتبة 73 من أصل 180 دولة سنة 2018، إلى الرتبة 80 عالمياً في سنة 2019، فيما حصل سنة 2018 على 43 من أصل 100، وفي سنة 2019 حصل على 41، حسب أرقام الجمعية التي كشفت «غياب أي تغيير نحو محاربة الفساد، والاستمرار والركود في منطقة الفساد النسقي»، حسب المنظمة التي أشارت إلى أن «الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد التي صُودق عليها سنة 2015 لم تُفعل بالشكل المطلوب».
وحسب التقرير ذاته، فإنه يحق لجميع المغاربة قانونًا طلب المساعدة من الشرطة عندما يطالبون بدفع رشاو، لكن معظم الناس لا يعرفون هذا الحق أو يحجمون عنه، إما لأنهم يعتقدون أن القضاء سوف يطلب مزيداً من الدفوعات غير القانونية، أو لأنهم يخشون انتقام السلطات التي يرفعون شكاوى ضدها. وسجل الاستطلاع أن عدد المغاربة الذين يرون أن العاملين بمؤسسات الدولة متورطون في الفساد 40 في المائة يعتقدون أن معظم العاملين بالبرلمان أو جميعهم متورطون في الفساد، أما الموظفون الحكوميون على المستوى الوطني والمحلي، فيعتقد 38 في المائة و37 في المائة من المغاربة على التوالي أنهم متورطون في الفساد.
وقالت المنظمة إن «غياب الإرادة السياسية وضعف المساءلة وتدني مستوى الحوكمة في المغرب يتسبب في تفشي الفساد الممنهج. وفي مطلع هذه السنة، رد المواطنون على ذلك باحتجاجات امتدت على نطاق واسع». وأضاف التقرير أن «التعامل مع قضايا الفساد كشف فجوة بين الوعود التي يقطعها القادة وبين عملهم على أرض الواقع»، فالسلطات تجاهلت العديد من القضايا والإجراءات القضائية، وهذا هو ما دفع – وفق نتائج مقياس الفساد العالمي- إلى أن «يرى مواطن مغربي من بين أربعة مواطنين أن معظم القضاة وموظفي القضاء والشرطة أو كلهم متورطون في الفساد»، وأعرب 47 في المائة من المغاربة عن عدم رضاهم عن مستوى الديمقراطية في البلد.
3 أسئلة ل : عتيق السعيد – باحث في القانون العام و العلوم السياسية ومحلل سياسي
«الفساد الإداري والمالي منتج للفوارق الاجتماعية ومدمر لجميع المبادرات التنموية»
- ما الكلفة الإدارية والسياسية للفساد؟
يوجد إجماع لدى عموم الباحثين في المجال الإداري على أن الفساد الإداري والمالي يعتبر من أعقد الإشكالات التي تواجه الدول النامية، ومن أصعبها بالنسبة للمجتمع المغربي بالنظر إلى توسع أنشطته واتساع رقعته. ولعل الفوارق الاجتماعية التي أصبحت تشكل تحديا أمام الحكومات والتفكير في صياغة نموذج تنموي جديد يعتبر نتاجا لتأثيرات كثيرة، لكن في مقدمتها منابع الفساد المالي والإداري بالإدارات العمومية، سواء تعلق الأمر بالانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية، وتلك المخالفات التي تصدر عن بعض الأشخاص في مواقع إدارية أثناء تأديتهم لمهام وظيفتهم، أو المرتبطة بعدم التخطيط المعقلن لتدبير المشاريع التي تفتقر للتتبع والتقييم المستمر، وأيضا عبر عدم نهج مبادئ الحكامة المالية وعدم قدرة العديد من الإدارات والمؤسسات العمومية الانتقال من التبذير إلى التدبير الفعال والناجع للمالية العمومية.. هذا وغيره قد يؤدي إلى تفشي النتائج السلبية والآثار المدمرة فتطال كل مقومات الحياة لعموم المواطنين، لأنه لن يستقيم أي مشروع تنموي كيفما كان وأينما كان دون تفعيل سليم وصارم للأنظمة الرقابية على المال العام بغية الحد من الفساد بشتى أنواعه وآثاره على المجتمع حفاظا على تماسكه واستقراره.
كيفما كان الحال، يستحيل أن ترتبط التكلفة بمجال أو قطاع محدد وإن تعددت مظاهره في الرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي، والمحاباة والمحسوبية، وعدم التدبير الجيد للمشاريع، أو التقصير في المسؤولية، إلا أنه يمكن أن يؤثر بشكل كبير في فقدان الثقة لدى المواطن بأهمية العملية السياسية. والخطير أن يؤثر في قيمته طالما أن الدخول المكتسبة عن الممارسات الفاسدة تفوق في قيمتها المادية الدخول المكتسبة عن التدبير الشريف. هنا سنكون أمام معضلة كبيرة تسبب انهيار القيم والمبادئ، وأيضا فقدان هيبة ومكانة القانون في المجتمعات لأن المفسدين يتوهمون أنهم قادرون على تعطيل القانون، في حين أن هذا الوهم يهدم الثقة في الترسانة القانونية، وبالتالي يفقد المواطن ثقته بهيبة القانون. - أين اختفت استراتيجية محاربة الفساد والرشوة؟
بداية، لابد من الإشارة إلى أن الحكومة أعلنت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي امتدت من سنة 2016 إلى غاية 2025 كسقف لها. وتضم الاستراتيجية 239 مشروعا موزعا عبر عشرة برامج، منها برنامج الإدارة الإلكترونية، وبرنامج تحسين خدمة المواطنين، ثم برنامج الشفافية والنزاهة والحق في الوصول إلى المعلومة، وبرنامج الرقابة والمساءلة، وتقرر تنفيذ الاستراتيجية على ثلاث مراحل بميزانية تقدر بـ1.8 مليار درهم.
لكن، في مقابل، كل هاته الإجراءات والمخططات الحكومة مطالبة بتتبع وتقييم دقيق وشامل لكل المراحل وفق وعاء زمني محدد ودقيق، لاسيما عند الانتهاء من كل مرحلة من مراحل الاستراتيجية والوقوف على مدى نجاعة النتائج المسطرة، ومسايرة للعديد من المؤشرات سواء المتعلقة بالتطورات الدولية أو الوطنية، ومن بينها مؤشر «ترانسبرانسي»، ومؤشر التنافسية العالمي، ومؤشر مناخ الأعمال والعديد من المؤشرات، إضافة إلى خلق عرف سنوي يشكل محطة لتقييم الحصيلة ومستوى نجاعة هذه الاستراتيجية.
ثمة، أيضا، منهج تدبير مبني على تحليل المخاطر أخذا بعين الاعتبار الأولوية المعطاة للمجالات الأكثر عرضة للفساد، والتركيز على الإجراءات العملية وذات التأثير المباشر على الفساد. فلا يمكن الاستفادة من نتائج الإصلاحات التي اعتمدتها الدولة في جميع القطاعات دون توفير بيئة تستجيب لشروط النزاهة وردع كل أشكال الفساد، خاصة وأن جل المجهودات المتراكمة السابقة لم تحقق النتائج المرجوة، وهذا واقع تشخصه الخطب الملكية والمؤسسات الدستورية الاستشارية ويعريه تفاقم الفوارق الاجتماعية، وبالتالي يبقى أكبر إشكال تعرفه العقليات السياسية مرتبطا بإشكالية الانتقال من النص إلى التطبيق. فأي استراتيجية مهما كانت قائمة لن تكون فعالة وناجعة إلا إذا استشعرها المواطن في أقرب الاحتياجات اليومية الملازمة له. - ما مصير تقارير المجلس الأعلى للحسابات؟
حقيقة أثير نقاش عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول جدوى هاته التقارير السنوية التي لا يختلف أحد حول جودتها، ولعل هذا النقاش كان نتاجا لما كشفت عنه التقارير من خروقات مالية دقيقة جعلت المواطن يطرح العديد من الأسئلة، وبالتالي يمكن القول إن تقارير المجلس الأعلى للحسابات مهمة جدا وتكشف الستار عن الواقع التدبيري للمالية العمومية، فضلا عن أنها تعد آلية استسقائية وتقييمية للتدبير العمومي. وبالرجوع إلى مدونة المحاكم المالية، فإن المتابعة القضائية تكون مرتبطة بمجموعة من الشروط والمساطر، حيث تنص المدونة على أنه إذا اكتشف المجلس أفعالا من شأنها أن تستوجب عقوبة تأديبية، أخبر الوكيل العام للملك بهذه الأفعال، السلطة التي لها ﺣق التأديب بالنسبة للمعني بالأمر، والتي تخبر المجلس خلال أجل ستة أشهر في بيان معلل بالتدابير التي اتخذتها، أو إذا كان الأمر يتعلق بأفعال يظهر أنها قد تستوجب عقوبة جنائية، رفع الوكيل العام للملك الأمر من تلقاء نفسه أو بإيعاز من الرئيس الأول، إلى وزير العدل قصد اتخاذ ما يراه ملائما، وأخبر بذلك السلطة التي ينتمي إليها المعني بالأمر، ويخبر وزير العدل المجلس الأعلى للحسابات بالتدابير التي اتخذها.
لكن، في المقابل، ولتسريع وتيسير هاته الإجراءات، نحن في أمس الحاجة إلى تغيير القانون المحدث للمجلس من أجل أن يتحول إلى قضاء قائم بذاته، مسايرة للاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الفساد. آنذاك سيكون قادرا على تفعيل جميع المساطر بشكل يضمن الاستعجال، وهذا ما يطلبه المواطن حاليا.