شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

الفساد.. مؤشرات مقلقة وكلفة ثقيلة

تفاقم الفساد يكلف الاقتصاد الوطني 50 مليار درهم سنويا

قبل ثماني سنوات، أطلقت حكومة بنكيران الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، خصصت لها مبلغا ماليا قدره 180 مليار سنتيم، لتنزيلها على أرض الواقع، لكن مختلف المؤشرات الدولية والوطنية تؤكد أن الفساد ما زال يضرب أطنابه داخل مختلف القطاعات، ويشكل عائقا حقيقيا أمام التنمية المنشودة، نظرا إلى كلفته الثقيلة على الاقتصاد الوطني، كما أن الحكومة السابقة فشلت فشلا ذريعا في الحد من الظاهرة، التي ازدادت استفحالا. وأفاد التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها برسم سنة 2023، بأن المغرب سجل تراجعا في مختلف مؤشرات إدراك الفساد، وجددت الهيئة من خلال تقريرها الدعوة إلى ضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة في الوقاية من الفساد ومكافحته، من خلال اعتماد مقاربة تتجاوز نقاط الضعف والمحدودية التي تم الوقوف عليها. وكشفت الهيئة أن تفاقم الفساد يكلف الاقتصاد الوطني 50 مليار درهم سنويا، فهل ستنجح الحكومة الحالية في تحقيق تقدم في مؤشرات إدراك الفساد والرشوة، خاصة في ظل الرهان على الرقمنة، وبعد توسيع صلاحيات واختصاصات الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة.

مقالات ذات صلة

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

تفاقم الفساد يكلف الاقتصاد الوطني 50 مليار درهم سنويا

 

أفاد التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها برسم سنة 2023، بأن المغرب سجل تراجعا في مختلف مؤشرات إدراك الفساد، وجددت الهيئة من خلال تقريرها الدعوة إلى ضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة في الوقاية من الفساد ومكافحته، من خلال اعتماد مقاربة تتجاوز نقاط الضعف والمحدودية التي تم الوقوف عليها.

وأكدت الهيئة أن المجهودات والإنجازات المحققة في مجال محاربة الفساد رغم أهميتها، لا ترقى بعد إلى إنتاج التغيير المطلوب، مما يستدعي تغيير المقاربة والتوجه نحو الاشتغال في إطار يتوخى المكافحة الناجعة للفساد، والالتفاف من المبدأ الذي يجعل من الحكامة المسؤولة والوقاية من الفساد ومحاربته مسؤولية وطنية.

وأوضح محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة، أن انتشار الفساد يؤدي إلى سوء استخدام السلطة وانعدام الثقة، ويحد من قدرة الإنتاج ويعاكس مبدأ الاستحقاق، لافتا إلى أن المغرب لم يحسن وضعه في مجال محاربة الفساد إلا بنقطة واحدة خلال 20 سنة، مع تراجعه في الترتيب العالمي، وأشار في الندوة الصحفية التي خصصها لعرض تقريرها السنوي، إلى أن التراجع بنقطة واحدة في محاربة الفساد يصاحبها تقليص للمداخيل بما يناهز 7.8 في المائة بالنسبة للدول الأكثر فقرا.

ولفت إلى أن الفساد يحد من المبادرة الفردية ويمس بالتماسك والاستقرار الاجتماعي، ويعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، موضحا أن الفساد على المستوى الدولي يمثل أزيد من 2000 مليار دولار أي 7 في المائة من الناتج العالمي الخام، وهذا الرقم يصل إلى 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام بالنسبة للقارة الإفريقية، وسجل الراشدي أنه على الصعيد الوطني فإن كلفة الفساد تتراوح ما بين 3.5 إلى 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام، بما يفوق 50 مليار درهم سنويا، مشيرا إلى أن المغرب يفقد طاقات كبيرة على حساب تنميته.

وبخصوص تطور الفساد على المستوى الوطني، أكدت الهيئة أنه بحصوله على درجة 100/38 في مؤشر مدركات الفساد برسم 2023، يكون المغرب قد تراجع بخمس 5 نقط خلال السنوات الخمس الأخيرة، مكرسا مسلسل التراجع في هذا المؤشر، والذي انطلق منذ سنة 2018 حين حصل على نقطة 100/43، وهي أعلى نقطة منذ أزيد من عشرين سنة، وأبرزت الهيئة أن هذا التراجع انعكس أيضا على ترتيب المغرب ضمن لائحة الدول التي شملها هذا المؤشر؛ حيث انتقل من الرتبة 73 ضمن 180 دولة سنة 2018 ليصل إلى الرتبة 97 ضمن 180 دولة سنة 2023، متراجعا ب 24 رتبة خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وحسب التقرير، فقد أبرز التشخيص الذي قامت به الهيئة أن المغرب احتل، على المستوى العربي، الرتبة التاسعة مسبوقا بكل من الإمارات وقطر والسعودية والأردن والكويت وسلطنة عمان والبحرين وتونس، ومتبوعا باثنتي عشرة دولة، كما تراجع ترتيب المغرب بدرجتين على المستوى الإفريقي، محتلا مرتبة وسطى ومسبوقا بست عشرة دولة.

وأضاف التقرير، أنه في تقاطع مع ما أكده مؤشر مدركات الفساد من ارتباط تراجع معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في جهود مكافحة الفساد، بارتفاع مستويات الفساد السياسي، سجل المغرب سنة 2023 تراجعا على مستوى مؤشر الفساد السياسي الذي يصدره مشروع أنماط الديمقراطية (V-DEM)، ليواصل هذا المؤشر منحاه التراجعي منذ سنة 2020، كما سجل تراجعا على مستوى المؤشرين المتعلقين بتطبيق القانون والحكومة المنفتحة المتفرعين عن مؤشر سيادة القانون الذي يصدره مشروع العدالة العالمي.

وتأكيدا لتراجع المغرب في المؤشرات المشار إليها سابقا، جاءت نتائج مؤشر النزاهة العمومية الذي يصدره مركز الأبحاث الأوروبي لمكافحة الفساد وبناء الدولة (ERCAS) برسم 2023 متقاربة مع التراجعات المسجلة، حيث رصد هذا المؤشر تراجع المغرب في المؤشر الفرعي المتعلق باستقلال القضاء (10/4.8) وحرية الصحافة (10/3.44)، وبالخدمات عبر الانترنت (10/3.8)، ليحصل بذلك على تنقيط عام لا يتجاوز 10/5.34 محتلا بذلك الرتبة 79 ضمن 116دولة، علما بأن أعلى تنقيط عام دوليا حصلت عليه الدانمارك ب 10/9.30

وإفريقيا حصلت عليه جنوب إفريقيا ب 10/7.51، وعربيا حصلت عليه الأردن ب 10/6.53.

وفي ارتباط وثيق بالنتائج المتقاربة لجميع هذه المؤشرات وكذا نتائج البحث الوطني حول الفساد، أبرز التقرير أن استطلاعات الرأي المنجزة في إطار البارومتر الإفريقي الصادر في شهر ماي 2023 حول المغرب، أكدت على تفاقم وضع الفساد، حيث احتل الرتبة السابعة ضمن المشاكل التي يواجهها المغرب والتي يجب على الحكومة أن تعالجها.

وفي نفس الاتجاه، يضيف التقرير، رصد البارومتر الإفريقي الفجوة الملحوظة بخصوص مدركات المواطنين حول فعالية جهود الحكومة للتصدي للفساد في الإدارة العمومية؛ حيث يرى 79  في المائة من المستجوبين أن الطريقة التي تواجه بها الحكومة الفساد داخل الإدارة العمومية سيئة أو سيئة جدا، فيما 18  في المائة يرون أنها جيدة و1  في المائة فقط يرون أنها جيدة جدا، وتختلف هاته النسب بين المجالين القروي والحضري، فقد خلصت النتائج أن المستجوبين من العالم القروي أكثر تشاؤما حيث أن 35  في المائة منهم يرون أنها سيئة جدا مقابل 29.3  في المائة في المجال الحضري، كما سجلت النتائج أن الذكور أكثر تشاؤما من الإناث حيث أن 33.1  في المائة من الذكور يرون أنها سيئة جدا مقابل 29.5  في المائة من الإناث، أما بخصوص التبليغ عن الفساد فإن 46.7  في المائة من المستجوبين لا يستطيعون التبليغ عن حالات الفساد مخافة العواقب والنتائج السلبية لهذا التبليغ عليهم.

ويؤكد هذا التقرير على ارتباط الفساد بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية، حيث يتزايد الإدراك بتفاقم الفساد، خاصة لدى الطبقات الفقيرة والمهمشة والمناطق النائية، مما يدا على أن تكاليف الفساد المرتفعة تتحملها الفئات الضعيفة، وتظهر آثاره في الحقوق التي يُحرم منها الفقراء في مجموعة من المجالات مثل التعليم الجيد والسكن اللائق والرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية، وأكد التقرير أن هذا الحرمان يجسد انتشار الفساد وانخفاض في معدلات الشفافية، حيث تعزز الاقتناع لدى المنظمات المهتمة أن هناك ارتباطا وثيقا بين تدني مستوى الحكامة وتقليل فرص الوصول إلى الحقوق الأساسية.

وسجل التقرير أنه من خلال استقراء نتائج البحث الميداني الذي تم إنجازه من طرف البنك الدولي المتعلق بالمقاولات لسنة 2023، والذي يخصص أحد مواضيعه للفساد وعلاقته بالمقاولات، احتل الفساد المرتبة الثانية من بين العوائق الرئيسية أمام المقاولات في المغرب، حيث أعلنت 15.7  في المائة من المقاولات أن الفساد هو العائق الرئيسي الأول أمامها. إضافة إلى ذلك، أفادت29.6  في المائة من المقاولات التي تم استجوابها أنها تلقت طلبا لدفع رشاوى في إطار معاملاتها المتعلقة بالحصول على خدمات عمومية تهم الضرائب، والحصول على تراخيص البناء، والربط بشبكتي الماء والكهرباء، وتراخيص التصدير، ورخص الاستغلال.

أما فيما يتعلق بتقييم مخاطر الفساد في مجال مناخ الأعمال والمقاولات، فإن المخاطر المتعلقة بالفساد عرفت ارتفاعا سنة 2023، وهكذا فعلى مستوى مؤشر مصفوفة مخاطر الرشوة ( Trace Bribery Matrix) الذي تصدره جمعية ” Trace International” تراجع المغرب بأربع مراتب مقارنة مع سنة 2022 رغم احتفاظه بنفس التنقيط 61/ 100 حيث احتل الرتبة 140 من أصل 194 دولة يشملها التقييم، أما فيما يخص المؤشرات الفرعية فقد تراجع تنقيط المغرب في المؤشرين الفرعيين المتعلقين بالزجر وتطبيق قوانين مكافحة الفساد رغم حصوله على تنقيط 100/70، وفي قدرة المجتمع المدني بما فيه الصحافة على المراقبة رغم حصوله على تنقيط 100/53.

وباستقراء مؤشرات الدليل الدولي لمخاطر الدول، حسب التقرير، تَبين أن الرشوة تبقى هي شكل الفساد الأكثر شيوعا الذي تواجهه المقاولات فيما يتعلق بحصولها على تراخيص الاستيراد والتصدير ومراقبة المبادلات والتقييم الجبائي والحصول على قروض بنكية وغيرها، وأكد التقرير أن هذا النوع من الفساد من شأنه أن يعيق التطور الايجابي لمناخ الأعمال بما يؤدي إلى تراجع الاستثمارات أو سحبها.

وبخصوص نتائج المغرب، فإن تنقيط مخاطر الفساد عرف استقرارا متواصلا في الفترة الممتدة ما بين 2017 و2022 حيث كان المغرب يحصل على تنقيط 6/3، فيما عرف هذا التنقيط تراجعا سنة 2023، فمنذ شهر يونيو 2023 نزل من 6/3 إلى 6/2.5 ليحصل المغرب نهاية السنة على تنقيط سنوي بمستوى 6/2.75 وهو ما يعني أن مخاطر الفساد بالنسبة للمقاولات قد ارتفعت مقارنة مع سنة 2022.

الهيئة الوطنية للنزاهة تكشف نواقص قانون التصريح بالممتلكات

 

كشف تقرير صادر عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، عن بعض نواقص منظومة التصريح بالممتلكات، موضحا أن المنظومة تعاني من أعطاب هيكلية تطال تدني منسوب تجاوب الآليات التي اعتمدتها القوانين، حيث ما فتئ المجلس الأعلى للحسابات يؤكد بشكل خاص على الإكراهات المتعلقة بالقاعدة الواسعة للملزمين، والتي ينتج عنها إيداع أعداد كبيرة من التصريحات لدى المجلس، علما أنه في غياب نظام معلوماتي قادر على استيعاب هذه الأعداد من خلال التصريح عن بعد والمعالجة الأولية للمعطيات، تصبح عملية المراقبة والتتبع شبه مستحيلة وغير فعالة.

وأكد التقرير على محدودية منظومة التصريح بالممتلكات التي تتميز بتدني منسوب تجاوب الآليات التي اعتمدتها القوانين الوطنية لتأطير هذا المجال مع المواصفات المعيارية والتطبيقات الدولية الفضلى ذات الصلة، بالإضافة إلى تجاوز الوضعية الحرجة ما رصده المجلس من مظاهر القصور، لأن هذه المنظومة تعاني من أعطاب هيكلية، سواء على مستوى الأشخاص الملزمين، أو التتبع والمراقبة، أو متطلبات الشفافية، أو مساطر البحث والتحري، أو المخالفات والمعاقبة عليها، مبرزا قيام التقرير الموضوعاتي بإنجاز تقييم نوعي للتشريع المغربي على قاعدة تنقيط معياري على أساس «خمس عشرة» مواصفة معيارية، بمعدل نقطة واحدة لكل تفريع من تفريعات تصريف كل مواصفة معيارية، وقد أفضى هذا التقييم إلى رصد نسبة تجاوب التشريع المغربي مع المواصفات المعيارية أساسا في توسيع نطاق الأشخاص الملحقين بالمصرح، علما أن التشريع الوطني لم ينص على أي مقتضى لتدبير التوازن بين مبدأ الاستقلالية المالية للأزواج، وبين ضبط النقل المحتمل للأصول لفائدة الأقرباء والأزواج على الخصوص، بنسبة التجاوب 64 في المائة.

وأشار التقرير إلى أن النظام لم يعمل على ترسيخ مبدأ استقلالية الهيئة المكلفة بالمراقبة، مع مراعاة مبدأ تضافر جهود الهيئات المعنية، نسبة التجاوب 62.5 في المائة، كما أن نسبة استجابة عناصر الثروة الواجب التصريح بها للأهداف المتوخاة من التصريح بلغت 73 في المائة، مبرزا أن توخي الدقة والتفصيل في المعلومات المتعلقة بالممتلكات سجل نسبة التجاوب 80 في المائة، أما بخصوص اعتماد وتيرة موضوعية للتصريح، علما أن وتيرة تجديد التصاريح تبقى مثار تساؤل فقد بلغت نسبة التجاوب 70 في المائة. كما أشار التقرير إلى أن ضمان العقلنة والنجاعة في معالجة ومراقبة والتحقق من المعطيات المتضمنة بالتصريحات، علما أنه في غياب نظام معلوماتي ملائم، يصعب الحديث عن عقلنة مراقبة وتتبع التصاريح، بالنظر إلى الاعتبارات المتعلقة بالعدد والوسائل وغياب التقاطع المعلوماتي مع الإدارات والمؤسسات المتوفرة على المعلومات ذات الصلة: نسبة التجاوب 100 في المائة.

من خلال هذا التقييم، خلصت الهيئة إلى وضوح الأعطاب الحقيقية التي يعاني منها نظام التصريح بالممتلكات، حيث تبين لها غياب الخيط الناظم لهذه المنظومة والناتج عن عدم وضوح الأهداف ومحدودية النجاعة القانونية، وضعف منسوب شفافية المنظومة، الناتج بالأساس عن الانغلاق الواضح لنظام التصريح بالممتلكات، وتذبذب المعايير المعتمدة في تحديد لائحة الملزمين، والذي جعل هذه اللائحة مستوعبة لأشخاص ليسوا على قدم المساواة من حيث مستوى تعرضهم لشبهات الفساد وارتباطهم بالأموال العامة، وجعل دائرة الملزمين أوسع من قدرات التتبع والمراقبة، خاصة في ظل النظام الورقي الحالي، وغياب آليات مضبوطة وناجعة للإحالة ولتبادل المعلومات، وضعف تناسب الجزاء المقرر مع حجم المخالفة المرتكبة، وعدم التنصيص على مبدأ نشر العقوبات الشامل لجميع الملزمين.

وأناط المشرع بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة تسلم التصريحات، واستثناء ببعض الهيآت، اعتبارا للحساسية التي تكتسيها بعض التصريحات، إذ إن التصريحات بممتلكات أعضاء الحكومة والشخصيات المماثلة ورؤساء دواوينهم وأعضاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وكذلك فئات معينة من الموظفين أو الأعوان العموميين كما هو محدد بموجب القانون رقم 06 – 54، تودع لدى كاتب الضبط المركزي بالمجلس الأعلى للحسابات، كما أن الأشخاص الملزمين الآخرين، كأعضاء مجلسي النواب والمستشارين وأعضاء المجلس الدستوري، يقدمون تصريحاتهم لدى الهيئة المشتركة بين المجلس الأعلى للحسابات ومحكمة النقض، والتي يرأسها الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات. وفيما يخص قضاة المحاكم المالية، فإنهم يودعون تصريحاتهم لدى مجلس قضاء هذه المحاكم.

وتنص المنظومة القانونية المتعلقة بالتصريح بالممتلكات على وجوب رفع الرئيس الأول الأمر إلى السلطة الحكومية المعنية، قصد اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في المادة 11 من القانون رقم 54.06، الذي ينص على أنه «يتعرض الموظف أو العون العمومي الذي يرفض القيام بالتصريحات المنصوص عليها في هذا القانون، أو الذي لا يطابق مضمون تصريحاته أحكام المادتين 4 و5 أعلاه، أو الذي قدم تصريحا غير كامل ولم يقم بتسوية وضعيته، رغم إنذاره طبقا للمادة 7 من القانون، للعزل من الوظيفة أو فسخ العقد بالنسبة للعون العمومي من طرف السلطة الحكومية التي لها حق التأديب»، ويقوم المجلس حاليا بإعداد ملفات الأشخاص المخلين بإجبارية التصريح، قصد إحالتها على السلطات الحكومية المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية المقررة.

إحداث وكالة لاسترجاع الأموال العمومية المختلسة

 

تشتغل وزارة العدل على إعداد مشروع قانون يتعلق بإحداث الوكالة الوطنية لتدبير وتحصيل الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة والغرامات وتتبع تنفيذ العقوبات والتدابير البديلة، وأفادت المصادر بأن الهيئة الوطنية للمعلومات المالية قدمت مجموعة من المقترحات لتضمينها في المشروع، خاصة تلك المتعلقة بجرائم غسل الأموال.

وكانت وزارة الاقتصاد والمالية قد تقدمت بمقترح لإخراج مشروع القانون المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية لتدبير وتحصيل الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة إلى حيز الوجود، وهي مؤسسة سيناط بها تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في جرائم الاختلاس والتبديد، كما ستتولى حفظ وتدبير الممتلكات المحجوزة والمصادرة. كما دعت الوزارة إلى تهييء مشروع قانون لإعادة هيكلة وتنظيم وظيفة الوكالة القضائية للمملكة، وتوسيع اختصاصاتها لمسايرة التحديات الراهنة المتعلقة بحماية المال العام، وتقوية دورها في الدفاع عن الدولة وإدارتها في قضايا الاختلاس والتبديد بالنظر إلى التجربة التي راكمتها في معالجة هذا النوع من القضايا، وتقديم الدعم القانوني والتنسيق مع مختلف الإدارات العمومية، وذلك من منطلق موقعها كعضو باللجنة المركزية واللجان الجهوية لاسترداد الأموال.

هذا، وتقدمت الوكالة القضائية للمملكة التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية بطلبات إلى الجهات القضائية المختصة، من أجل الحجز على أموال وممتلكات أشخاص محكومين في ملفات جرائم الأموال، ضمنهم برلمانيون ورؤساء جماعات وموظفون كانوا يتحملون مسؤوليات التسيير بإدارات عمومية وجماعات ترابية.

وحسب وثيقة صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية، فقد بلغ عدد الحجوزات التي طلبتها الوكالة القضائية أكثر من 240 حجزا، تخص 119 ملفا في طور التنفيذ بمحاكم جرائم الأموال، حيث قامت الوكالة بأكثر من 100 حجز تحفظي على رسوم عقارية تخص 35 ملفا بمحكمة جرائم الأموال بالدار البيضاء، وأكثر من 70 حجزا تحفظيا على رسوم عقارية تخص 34 ملفا بمحكمة جرائم الأموال بالرباط، وأكثر من 50 حجزا تحفظيا على رسوم عقارية وأسهم تجارية تخص 22 ملفا بمحكمة جرائم الأموال بمراكش، وأكثر من 18 حجزا تحفظيا على رسوم عقارية تخص 28 ملفا بمحكمة جرائم الأموال بفاس.

وأكدت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، في جواب عن سؤال بالبرلمان، أن مسألة استرجاع الأموال العمومية المختلسة والمبددة ومكافحة الجرائم المالية تشكل إحدى أهم أولويات الحكومة، باعتبارها قضية حيوية تساهم بشكل مباشر في بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، وتوطيد دعائم الأمن المالي والاجتماعي، وعدم الإفلات من العقاب.

وتم إحداث لجنة مركزية على مستوى رئاسة النيابة العامة، يترأسها الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة، ولجان جهوية على مستوى محاكم الاستئناف يشرف عليها الوكلاء العامون للملك بهذه المحاكم، وذلك بهدف تسهيل مأمورية استرجاع الأموال العمومية المختلسة، وتعتبر وزارة الاقتصاد والمالية عضوا رئيسيا بهذه اللجنة، من خلال الوكالة القضائية للمملكة والمديرية العامة لإدارة الجمارك والخزينة العامة للمملكة والمديرية العامة للضرائب ومديرية أملاك الدولة، إلى جانب القطاعات المعنية باسترداد الأموال العامة والتي تفيد في البحث عن الممتلكات المنقولة والعقارية، وتهدف هذه اللجان إلى تذليل الصعاب إلى جانب البحث عن السبل الكفيلة بتنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة الدولة.

وأصدرت رئاسة النيابة العامة منشورا موجها إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف، بغرض تفعيل دور هذه اللجان، لأهمية الدور الذي تمارسه في تنفيذ الأحكام الصادرة لفائدة الدولة، وتقوية المتابعة والزجر، والذي يشكل أحد الأهداف الرئيسية لتنزيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد تفعيلا لمقتضيات الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد. وتقوم الوكالة القضائية للمملكة، بتنسيق مع الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، بالمشاركة في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، من خلال حماية المال العام واسترجاع الأموال المتحصلة من جرائم الفساد المالي.

وتتولى الوكالة القضائية مراقبة المسطرة وتنتصب في الوقت المناسب كمطالبة بالحق المدني نيابة عن الجهة المعنية، كما تقوم بمساطر احترازية موازية من قبيل البحث عن الذمة المالية للمتابعين بالاختلاس أو التبديد، سواء كانت منقولات أو عقارات أو أسهما أو نقودا، بالاستعانة بجميع المرافق الإدارية التي بإمكانها ضبط هذه الممتلكات، بدءا بالمحافظات العقارية والسلطات المحلية، وانتهاء بالأبناك والسجلات التجارية المحلية، وأيضا السجل التجاري المركزي، وإن أثمر البحث يتم الحجـز على تلك الممتلكات حجزا تحفظيا، أو حجز ما للمدين لدى الغير حسب الأحوال، ضمانا لاسترجاع المبالغ المختلسة التي قد يحكم بها والحيلولة دون تفويتها من طرف المالك المختلس، ويتوخى في ذلك عنصر المباغتة والمفاجأة، وبعدما يصبح الحكم مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، تباشر الوكالة القضائية للمملكة مسطرة التنفيذ في الشق المدني من الحكم، فإن كانت هناك حجوزات تحفظية تحول إلى حجوزات تنفيذية، تمهيدا لبيعها بالمزاد العلني واسترداد الأموال المختلسة والمبددة.

الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.. ورش وطني ينتظر التنزيل الفعلي

 

تعتبر الحكومة محاربة الفساد ورشاً وطنياً وجماعياً، من خلال الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي تمت المصادقة عليها سنة 2015، وترى الحكومة أن تنزيلها يعتمد تحقيقه على المشاركة الواعية والمسؤولة لجميع الفاعلين والمواطنين، إذ قام المغرب، خلال العقد الماضي، بإصلاحات مهمة تصب في محاربة الرشوة والفساد، ما أتاح تلبية بعض انتظارات المواطنين وتحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال، فيما شكلت استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية وتفعيل مجلس المنافسة، والشروع في ورش التبسيط والرقمنة، وكذا تنفيذ أول استراتيجية وطنية متكاملة لمحاربة الفساد، إشارات قوية في هذا الاتجاه.
وشرعت الحكومة سنة 2017، أي بعد عامين من المصادقة على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، في تنفيذ مضامينها، وهي الاستراتيجية التي تتضمن 59 مشروعا تهم مختلف القطاعات، وقامت بتفعيل آليات الحكامة والتتبع، سيما لجنة القيادة برئاسة رئيس الحكومة، مع السهر على إشراك فعاليات المجتمع المدني. وتزامن ذلك مع تعيين رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وتوسيع صلاحياتها.

وترى الحكومة أن الجهود المبذولة مكنت من تحسين تنقيط المغرب بشكل مطرد في مؤشر إدراك الفساد، الذي انتقل معدله من 33,2 في الفترة الممتدة ما بين 2002 و2006، إلى 41 ما بين 2017 و2020، ما يدل على أهمية هذه الجهود وأيضًا على الشوط الطويل الذي يتعين قطعه لمكافحة هذه الآفة.

ونص دستور المملكة لسنة 2011، في عدد من بنوده، على دعم كل الآليات التي من شأنها ترسيخ قيم الشفافية وتعزيز النزاهة والإنصاف والحكامة الجيدة ومكافحة كل مظاهر الفساد من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك من أجل الحفاظ على الأموال والممتلكات العمومية.

وفي هذا الباب، ومن أجل تخليق الحياة العامة وبناء الثقة لدى المواطن ولدى المجتمع الدولي في المؤسسات والهيئات العامة، تم تعزيز الأدوار الرقابية وأدوار التتبع والتقييم والتشاور والوساطة الموكلة للمؤسسات الدستورية المعنية بترسيخ الحكامة الجيدة.
وتعتبر مكافحة الفساد مجالا التقائيا تتقاطع فيه السياسة الحكومية مع سياسة باقي الفرقاء من مؤسسات حكامة ومجتمع مدني وقطاع خاص، ويتعلق شق منه بالتعاون الدولي مع مختلف المنظمات والهيئات الدولية الداعمة للمجهودات الوطنية الأفقية أو القطاعية.
وفي هذا السياق، اعتمدت المملكة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في سياق دينامية وطنية تتميز بالوعي المتزايد لدى المواطنين والمجتمع المدني بآفة الفساد. وجعلت هذه الاستراتيجية من بين أهدافها تعزيز ثقة المواطنين من خلال جعل الفساد في منحى تنازلي وتوطيد ثقافة النزاهة في عالم الأعمال وتحسين مناخه مع تعزيز موقع المملكة على الصعيد الدولي، وقد تم إعدادها وفق مقاربة مندمجة ومتكاملة، وجرى التركيز على الإجراءات العملية وذات التأثير المباشر على الفساد من خلال اعتماد حقيبة مشاريع موزعة على عشرة برامج موضوعاتية تروم تحقيق 31 هدفا استراتيجيا، تتولى تنسيقها بعض القطاعات الوزارية إلى جانب ممثل عن القطاع الخاص، ويتم تنفيذها على مدى عشر سنوات من 2016 إلى 2025.
ومن أجل مأسسة حكامة ناجعة تروم التنزيل الجيد للبرامج الكفيلة بتعزيز النزاهة، جرى إحداث لجنة وطنية لمكافحة الفساد وفق مقتضيات المادة الثانية من المرسوم رقم 2.17.582 الصادر بتاريخ 6 نونبر 2017، وهي لجنة يرأسها رئيس الحكومة وتضم في عضويتها ممثلين عن بعض السلطات الحكومية والهيئات والمنظمات ذات الصلة، فضلا عن ممثلين عن القطاع الخاص والمجتمع المدني. وتضطلع السلطة الحكومية المكلفة بإصلاح الإدارة بمهام الكتابة الدائمة لهذه اللجنة وتسهر بهذه الصفة على إعداد أشغالها وتتبع تنفيذ قراراتها.

محمد مصباح، رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات

محاربة الفساد.. أحجار عثرات في الطريق

 

أشار تقرير للمعهد المغربي لتحليل السياسات حول جهود المغرب في مكافحة الفساد، إلى أن المغرب بذل جهدا مهما في ما يخص إرساء الأسس التشريعية والمؤسسية والعملية لمكافحة جميع جوانب الفساد وترسيخ الشفافية والنزاهة في الشؤون العامة مدفوعة بالانعكاسات السلبية لجوانب الفساد التي تتخلل جميع مستويات المجتمع، الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية. ومنذ المصادقة على دستور 2011، بذلت الدولة أكبر جهودها لمعالجة قضايا الفساد العام التي ابتليت بها المملكة منذ فترة طويلة، وبالتالي تم سن ثلاثة إصلاحات قانونية رئيسية. أولاً، اعتمد المغرب تشريعات مهمة لحماية المبلغين عن المخالفات في عام 2011.

وقد جعل هذا القانون المغرب منسجمًا مع المجتمع الدولي بشأن أفضل الممارسات لحماية المبلغين عن المخالفات. ثانيًا، تناول المغرب القضايا المتعلقة بالصفقات العمومية في عام 2014 عندما أصدر تشريعات جديدة أدت إلى تطبيق أفضل الممارسات المعترف بها دوليًا في هذا المجال، أدى الإصلاح إلى تطوير استراتيجية وطنية للتدريب على الصفقات، وهيئة مركزية لوضع سياسات الصفقات العمومية، ونظام عبر الإنترنت للمساعدة في تبسيط عملية الشراء.

وحسب التقرير، ففي أوقات عدم اليقين، تصبح الثقة أكثر أهمية، ففي تقارير مؤشر الثقة (2020 و 2022) الذي نشره المعهد المغربي لتحليل السياسات، قال 56 في المائة من المستجوبين إنهم راضون بشكل عام عن جهود الحكومة لمكافحة الفساد (37 في المائة راضون جدا و 19 في المائة راضون إلى حد ما)، في حين أن 44 في المائة غير راضين (28 في المائة غير راضين على الإطلاق، و 16 في المائة غير راضين جدا)، ومع ذلك، قال 94 في المائة من المستجوبين إن الرشوة منتشرة على نطاق واسع في المغرب (66 في المائة قالوا أنها منتشرة للغاية و 28 في المائة قالوا أنها منتشرة بطريقة ما).

وينعكس هذا في الواقع على تصورات المواطنين للفساد (الرشوة، استخدام الواسطة والمعارف داخل الإدارة) في الإدارة العامة، حيث أكد 91 في المائة من المستجوبين أن إعطاء أموال إضافية (رشاو) لموظفي الإدارة العامة لإنجاز مهمة بشكل أسرع أمر منتشر للغاية (66 في المائة قالوا إنه منتشر للغاية و25 في المائة قالوا إنه منتشر بطريقة ما)، علاوة على ذلك، يزعم 94 في المائة أن استخدام الاتصالات مع أشخاص داخل الإدارة لإكمال مهمة بشكل أسرع منتشر أيضًا (76 في المائة قالوا أنه منتشر للغاية و 18 في المائة قالوا أنه منتشر إلى حد ما).

بالإضافة إلى ذلك، ينعكس هذا الاتجاه على تصور المواطنين للرشوة والمحسوبية في قطاعي التعليم والصحة، مع كون قطاع الرعاية الصحية هو الأكبر من حيث تصورات الفساد. حيث قال 87 في المائة من المستجوبين أن الرشوة منتشرة في قطاع الصحة العامة (58 في المائة قالوا إنها منتشرة للغاية، و 29 في المائة قالوا أنها منتشرة)، و55 في المائة يعتقدون أن الرشوة والمحسوبية منتشرة في القطاع الصحي الخصوصي (19 في المائة قالوا إنها منتشرة للغاية، وقال 36 في المائة إنها منتشرة). يتمتع قطاع التعليم أيضًا بمستويات عالية من تصورات الفساد، وإن كانت أقل من قطاع الصحة، حيث يعتقد 48 في المائة من المستجوبين أن الرشوة والمحسوبية منتشرة في قطاع التعليم العام (يعتقد 20 في المائة أنهما منتشرة للغاية و 28 في المائة يعتقدون أنها منتشرة) . علاوة على ذلك، يعتقد 45 في المائة من المستجوبين أن الرشوة والمحسوبية منتشرة في التعليم الخاص (قال 17 في المائة إنهما منتشرة للغاية و 28 في المائة قالوا إنها منتشرة).

تمكن دراسة وضع الفساد في المغرب من خلال تتبع الإجراءات القضائية، حيث سجل تقرير النيابة العامة أن الخط المباشر للإبلاغ عن الرشوة، منذ إطلاقه في 14 ماي 2018 حتى 31 دجنبر 2019، تلقى حوالي 36138 مكالمة، بمتوسط ​​110 مكالمات في اليوم. وأدى هذا الخط إلى توقيف 117 مشتبهاً، بمعدل حالتين أسبوعياً في مناطق مختلفة من المغرب، تتعلق برشاوى تتراوح بين مبالغ صغيرة لا تتجاوز 50 درهماً إلى 300 ألف درهم، القطاعات المعنية بجرائم التلبس هي مسؤولي السلطة (30 حالة)، وكلاء الجماعات المحلية / البلديات (22 حالة)، الدرك الملكي، الأمن الوطني، الحماية المدنية، القوات المساعدة، المياه والغابات (22 حالة)، الوسطاء (10 قضايا)، قطاع الصحة (9 قضايا)، قطاع العدل (6 قضايا)، قطاع المعدات والنقل (4 قضايا)، وقطاعات أخرى (10 قضايا)، وصدرت عقوبات وغرامات سالبة للحرية.

لذلك، فإن المستويات المرتفعة للفساد بكل أوجهها (الرشوة، المحسوبية، إعطاء الأفضلية، محاباة الأقارب) لها تأثير سلبي بشكل خاص على تقديم الخدمات العامة وتشكل تحديًا كبيرًا للتقدم نحو التنمية المستدامة.

على الرغم من الترسانة القانونية المغربية والنظام المؤسساتي ومجموع الإجراءات التي حققتها مؤسسات الحكامة، لا يزال الفساد متفشياً في المغرب، تاركاً عواقب اقتصادية واجتماعية وأخلاقية وخيمة على مستوى صورة المغرب. تقدر الخسائر ما بين 5 في المائة إلى 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما لا يقل عن ربع ميزانية الدولة وثلاثة أضعاف ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبالتالي، فإن الوقاية خير من العلاج، وهذا هو الحال أيضا في مكافحة الفساد، من خلال التركيز على منع الفساد، يمكن الحد من تأثير السلوك الفاسد.

على سبيل المثال، يمكن لمنع الفساد الفعال: تقليل فرص التهرب الضريبي وبالتالي زيادة الإيرادات؛ ضمان مجال عمل أكثر تكافؤًا للقطاع الخاص من خلال الحد من المزايا غير العادلة في الفوز بالعقود أو الحصول على تراخيص الأعمال، وتقليل تسرب الأموال العامة المخصصة لتقديم الخدمات الصحية والتعليمية أو بناء الطرق والبنية التحتية الحيوية الأخرى. على هذا النحو، يتطلب الحد من الفساد نهجًا محددًا حيث تشمل بعض التدابير منها تطوير وتنفيذ سياسات وممارسات مكافحة الفساد؛ وضمان وجود هيئة أو هيئات لتنفيذ سياسات الوقاية وتبادل المعرفة بمكافحة الفساد؛ والحفاظ على أنظمة مناسبة لتعيين الموظفين العموميين وتعيينهم وترقيتهم؛ وأيضا التمكين من الإبلاغ عن السلوك الفاسد؛ وبناء نظام فعال للصفقات يقوم على الشفافية والمنافسة والمعايير الموضوعية في اتخاذ القرار؛ وأيضا تعزيز مشاركة المجتمع المدني والأفراد في مكافحة الفساد.

محمد مشكور رئيس المكتب الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام – جهة الدار البيضاء الوسط 

ثلاثة أسئلة لمحمد مشكور *:

«محاربة الفساد سبيل لتعزيز دولة المؤسسات والحق والقانون والتنمية»

 

  • ما تقييمكم لتجاوب السلطة القضائية مع المطالب بتحريك ملفات فساد المسؤولين؟

تجب الإشارة أيضا إلى ضرورة تضافر الجهود بين جميع الفاعلين، من أجل اجتثاث ظاهرة هدر المال العام، بل يجب العمل على تشكيل جبهة وطنية أو جهوية، لمواجهة هدر المال العام، ونعتبر أنه من الناحية الأخلاقية وبعيدا عن النقاش القانوني، وجب على الأحزاب السياسية أن تبعد كل من تحوم حوله شبهة الفساد المالي عن تدبير الشأن العام وتولي منصب مسؤولية.

إننا نطالب بتطبيق الفصل 40 من القانون الجنائي المغربي، والذي ينص على الحرمان من الحقوق المدنية والسياسية، في حق المنتخبين المفسدين، كما أننا طالبنا بالإضافة إلى العقوبات الجنائية بالنص على معاقبة المدانين في بعض جرائم الأموال بعقوبات إضافية، وبالنسبة إلي فإن اعتقال المسؤولين الفاسدين سيكون رادعا نعم، لكن لن يقدم الشيء الكثير للدولة، بقدر ما إذا رافق هذا الاعتقال الحرمان من الحقوق المدنية والترشح مرة أخرى أو تولي المسؤولية، إذ أعتبر أن مسألة الإفلات من العقاب من المسائل الخطيرة التي يجب التنبه إليها، لأن هذا من شأنه تشجيع المفسدين، بشكل مباشر أو غير مباشر، وأعتبر أن جرائم الفساد أخطر من جرائم الحق العام كالسرقة أو الضرب والجرح، لأن هذه الجرائم تمس الأفراد، فيما جرائم المال العام تمس الدولة برمتها، ونعتبر أن الكل مسؤول عن مواجهة الفساد في المال العام، من جمعيات ونقابات وحكومة وأحزاب، بالإضافة إلى المواطنين المُطَالَبِينَ بالتبليغ عن هذه الجرائم، دون إغفال دور الإعلام في مواكبة تلك القضايا، وعلى العموم يجب التأسيس لثقافة حماية المال العام.

 

 

  • ما هي الرسائل والدلالات التي يحملها تحريك ملفات الفساد أمام القضاء؟

تجب الإشارة أولا إلى أننا في الجمعية قد سبق وسجلنا بشكل إيجابي تحريك القضاء لعدد من الملفات المرتبطة بنهب المال العام، كما يجب التأكيد على أننا في الجمعية المغربية لحماية المال العام لسنا ضد الأشخاص، كما أننا لا ندعو إلى شخصنة  القضايا من هذا النوع، بل إننا نشدد في كل مناسبة على أن هدفنا في كل ما يثار من هذه الملفات ليس هو الزج بالأشخاص في السجون، بقدر ما ندافع ونطالب بتخليق تدبير المال العام، ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ولهذا فنحن نعتبر  أن مسألة حماية المال العام هي موضوع تربية وثقافة ومسؤولية المجتمع برمته.

وفي هذا السياق، فنحن لا نعتبر هؤلاء المسؤولين أو المنتخبين الذين تثار حولهم ملفات مرتبطة بهدر المال العام (لصوص المال العام)، بل نعتبر أنهم محل شبهة ونحن لسنا سلطة اتهام، ونعتبر أن المسؤولين المعنيين بنهب المال العام هم (مجرمون أصحاب الياقات البيضاء)، ومن المفترض أن السلطات القضائية تسهر على تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة عبر البت في الملفات المتعلقة بسوء تدبير أو صرف المال العام. ونحن دائما في الجمعية ما نطالب بضرورة إرجاع  الأموال المنهوبة، وتجاوز ما يعتري محاربة الفساد من هدر للزمن القضائي الذي نعتبره معيقا لمحاربة الفساد، حيث إنه يجب أن يتم البت في هذه الملفات وفق آجال مقبولة، إذ لا يمكن الحديث عن دولة المؤسسات والحق والقانون والتنمية، دون الحديث عن محاربة الفساد والتنزيل الحقيقي للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة. هنا وجب التأكيد أننا سجلنا في العديد من المناسبات التفاعل الإيجابي للسلطات القضائية مع تحريك هذه الملفات، والملاحظ أن أغلب القضايا من هذا القبيل يكون المتابعون فيها من المنتخبين أو رؤساء الجماعات المحلية، وهذا الأمر كنا وما زلنا ننادي بضرورة توسيعه إلى كل من له تماس مع المال العام ممن يوصفون بـ«الحيتان الكبيرة».

 

 

 

  • ماذا بخصوص تبني الصرامة القضائية في ملفات الفساد؟

على السلطة القضائية أن تكون حازمة في التصدي لكل مظاهر الفساد والرشوة ونهب المال العام، واستغلال مواقع المسؤولية للاغتناء غير المشروع، والتضحية بحقوق المجتمع في التنمية، وذلك باتخاذ قرارات شجاعة وجريئة تقتضيها المرحلة الصعبة والدقيقة التي تجتازها بلادنا، وسط انتظارات وتطلعات المجتمع في تعزيز حكم القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة. كما تجب الإشارة إلى أن الجمعية المغربية لحماية المال العام، ستقوم انطلاقا من أدوارنا الحقوقية وأهداف الجمعية الهادفة إلى محاربة كل مظاهر الفساد والرشوة، بمتابعة مسار ومجريات هذه القضايا، وسنتخذ كل المواقف الضرورية إزاء هذه الملفات الشائكة كلما اقتضت الضرورة ذلك، حرصا على سيادة القانون وتحقيق العدالة وربط المسؤولية بالمحاسبة، لكوننا نؤمن أن مكافحة الفساد والرشوة هي قضية مجتمعية تهم كافة الفاعلين والمؤسسات، وضمنها قوى المجتمع المدني الحي والجاد.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى