شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةملف التاريخ

الفرنسيون كانوا يعتبرون النظام القضائي التقليدي فاسدا وهكذا بدأت «ثورة» المحاكم

يونس جنوحي:

القضايا التي تخص الأوروبيين يُنظر فيها في المحاكم الفرنسية التي توجد تحت حكم القانون الفرنسي، ولا تنظر المحاكم التابعة للباشوات والقياد في جميع القضايا المدنية. وكما أشرتُ سابقا، فإن المحاكم التي توجد ضمن نطاق سريان حكم الشريعة القرآنية يتم النظر في القضايا داخلها من قِبل القضاة،

وهؤلاء القضاة يُعينون مباشرة من طرف السلطان، بدون أي تدخل فرنسي، وجلسات المحاكمات التي يشرفون عليها تُعقد عادة في المساجد أو قُربها.

كل القضايا الخاصة بالنزاع حول الميراث أو نزاعات الزواج تُحال عليهم، باستثناء المناطق الأمازيغية، حيث اجتماع القبيلة أو «الجْماعة» تحل محلهم.

في بريطانيا يُعتبر مبدأ العدالة أنه لا يجب تنفيذها فقط، بل يجب أن يُنظر إليها بوضوح على أنه يجب تطبيقها، ولا يمكن القول إن هذه الفكرة سائدة في المغرب. وحتى لو كانت كذلك سيكون من الصعب إقناع السكان المحليين بأن العدالة كذلك.

كلما أشرتُ إلى المحاكم أمام شخص مغربي يفرك أصابعه بطريقة توحي بأنه يوجد فساد داخلها.

للأسف، وعلى الرغم من بعض المبالغات في كثير من الأحيان، إلا أن هناك شكوكا قائمة على أساس متين. العادات القديمة تموت بصعوبة، وعادة «الهدايا» التي تقدم لرجال السلطة، بدءا من السلطان ثم نزولا، تبقى متجذرة في العمق وأكبر من أن يتم اجتثاثها من جيل واحد.

من خلال ما لاحظته في جولة حول الزنازين في الدار البيضاء، تحدث لي السجّان عن قصة بئيسة لزميل له فرض إتاوة مقدارها 300 فرنك عن كل سجان على الأقارب الذين يرغبون في رؤية السجين المُدان، وقد ضُبط متلبسا.

في المحكمة كانت هناك غرف يوجد فيها موظفو السكرتارية لمساعدة الأشخاص الأميين والآخرين أيضا! في تعبئة الاستمارات القانونية. المساعدة التي يقدمونها كانت مجانية، لكن لا يوجد أي زبون يمكن إقناعه لكي يصدق أنه تم تقديم خدمة له بدون مقابل، وتطور هذا النظام ليصبح ابتزازا.

هناك الآن مُلصق إعلاني مثبت في كل غرفة، يمنع موظفي السكرتارية من قبول الأتعاب. كان مهما أن يتم إصدار هذا الملصق وعرضه من طرف الإداريين الفرنسيين وليس من طرف الباشا.

قال لي موظف قضائي فرنسي:

-«هذه أكبر الصعوبات أمامنا، وتكمن في أن الفساد والرشاوى يتم قبولها على أنها واقع حال مُسلّم بها. أخيرا جاء إليّ رجل لعرض شكوى. قال لي: «لقد أعطيت خمسين ألف فرنك لأحد القضاة لكنه أصدر حُكما ضدي!). لم يخفف عنه أنني قلت له إنه لو كان في فرنسا لكان مصيره السجن لعامين لمحاولته تقديم رشوة للقاضي».

-«لكن في هذه الحالة كان القاضي مُرتشيا، حتى لو أنه أعطى حُكما عادلا في الأخير».

-«نعم، وهذه هي المشكلة. يمكنك تغيير الظروف الفيزيائية بسرعة، لكنك تحتاج إلى وقت طويل لتغيير أفكار الرجال، إلا أنها في طور التغيير، الظروف الآن أفضل مما كانت عليه».

عادة الارتشاء القديمة تتلاشى بصعوبة، ولن تنقرض إلا عندما يأتي جيل جديد من القضاة المحترفين، تم تدريبهم جيدا لتعويض ملاك المناصب الحاليين، وهذه العملية لا يمكن أن تتم بسرعة. الوطنيون المغاربة غاضبون على النواب الفرنسيين للقضاة. ومع ذلك، فبدون هؤلاء النواب ستكون العدالة المحلية منتمية لفترة القرن السادس عشر وليس العشرين.

كما أن التعويضات المتدنية التي تُدفع للباشوات والقياد، وبالتالي لـ«الخْليفة» الذي ينوب عنهم، لا تخدم النظام الحالي للعدالة.

أغلب المبالغ تُدفع على أساس النسبة من قيمة الضرائب المحصلة، وهذه طريقة بالكاد يمكن اعتبارها خطوة لكبح الفساد!

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى