الفرنسيون رصدوا مبكرا ابتعاد الأطباء المغاربة عن المستشفيات العمومية وتفضيلهم «العيادات»
يونس جنوحي
حتى الآن يبقى إحجام المغاربة عن ولوج الخدمة الصحية مُخيبا جدا للآمال. ربما السبب هو تدني المعايير التعليمية، إذ من الواضح أن الرجل لا بد وأن يحصل أولا على شهادة الثانوية العامة قبل أن يستطيع ولوج المهن الطبية.
فكرة قضاء سبع سنوات في التعلم تجعل عددا من المغاربة يتراجعون، إذ بمقدورهم كسب أموال مهمة في التجارة بقضاء فترة أقصر بكثير في التعلم.
وحتى لو تم إقناعهم، وإذا صاروا مؤهلين للولوج وكانوا فعلا جيدين، فإن الأفكار المتأصلة داخلهم ترسّخ نفسها. إنهم يرفضون دخول القطاع العمومي، خصوصا عندما يكون التعيين في المناطق النائية إلزاميا. في هذه الحالة يُفضلون بكثير القطاع الخاص المُربح في المدن.
من بين الأطباء الخمسة عشر المؤهلين الآن أربعة فقط ولجوا القطاع العام.
قال لي أحد هؤلاء الأربعة:
-«إن هذا مشكل حقيقي. بعد طول انتظار، أدرك شبابنا أنه يتوجب علينا أن نملأ مناصب خدماتنا بأنفسنا. وحاليا حوالي مئة من أبناء شعبنا يتدربون في فرنسا، لكن بمجرد عودتهم، وإن هم اختاروا العمل في القطاع الخاص في المدن، فإننا لا نحقق أي شيء. معظم المدن يوجد بها ما يكفي من الأطباء. الخصاص الحقيقي موجود في «لبْلاد». ربما يتعين علينا تبني المخطط الإيراني. لديهم هناك المشكل نفسه بالضبط، لكن، الآن، يتعين على أي طبيب شاب أن يعمل لعدد معين من السنوات في القرى، قبل أن يستقر في المدن».
تؤثر النظرة المحلية والأفكار المتوارثة على كل جانب من جوانب الرعاية الصحية.
من الطبيعي أن يقوم كل مستشفى ببناء «بنك للدم» خاص بالمستعجلات.
حتى الآن 95 بالمئة من المتبرعين هم أوروبيون. المغاربة يعتقدون أن العملية لا تُضعفهم فحسب، بل تقلل أيضا من رجولتهم (بدا لي وكأنني أستشعر وجود علاقة تحالف بين المستشفيات والحلاقين المحليين!). علاوة على هذا، فإنهم يكرهون ضخ دم غير مُسلم في عروقهم!
أمور مثل هذه لا تُسهل مأمورية الطبيب. تُستخدم كلمة «المريض» بشكل عام لوصف الكثير من الحالات إذا شملت بالخطأ شخصا يعاني ألما ما. في المغرب، من المؤكد أن الطبيب مؤهل بشكل أفضل للتشخيص.
العلوم الطبية والوقائية والعلاجية ترتبط بالعمل الاجتماعي. لا تحصر عيادات ما قبل الولادة ومراكز صحة الأطفال اهتمامها في الفحوصات الطبية.
لاحظتُ وجود تطور مفاجئ في مستوصفات مدينة فاس. النساء المغربيات اللواتي يتحدرن من الأسر الميسورة، تم تعليمهن الخياطة والحياكة!
عادة ما يكون الرجال خياطين وصانعي بذل وفساتين، وعلى الفتيات الفرنسيات أن يعلمن هؤلاء النساء كيف يتعاملن مع الخيوط والإبر!
كانت حصص مجال العناية بالأطفال عملية للغاية، وأصبحت لها شعبية كبيرة.
خدمات الرعاية ومساعدة الأشخاص المسنين والأيتام صارت مسؤولية مشتركة بين الدولة والجمعيات الخيرية الإسلامية.
لا يزال هناك الكثير يتعين القيام به، لكن الأسس حتى الآن تبدو كافية.
الخدمات الاجتماعية مقبولة الآن كجزء عادي وطبيعي من آليات الدولة الحديثة، لكن بعض المسلمين المتعصبين يعتقدون أن مثل هذه المخططات الرسمية خاطئة تماما.
ألا يحث القرآن المؤمنين على أن يكونوا لطفاء مع من هم أسوأ حالا منهم، خصوصا لمساعدة الأقارب المرضى والطاعنين في السن؟
كثيرا ما يُمارَس هذا الواجب الديني، ربما بدرجة أكبر مما تمارسه الشعوب المسيحية، ومع ذلك فإنه يترك ثغرات مثيرة للاستياء والرثاء، خاصة في المدن الجديدة، حيث عادة ما يكون الموقف الأبوي للزعيم المحلي، أو البُعد الاجتماعي للقبيلة مفقودا. ما تتم إدانته في كثير من الأحيان داخل القرى والأرياف قد يكون مطلوبا بشدة في المدن.