الفرقة الناجية
بقلم خالص جلبي
الأخ اليوسفي وقع لفترة في شباك جماعات التطرف، وقد راسلني هذه الأيام وقال ثمة جماعة يسمون أنفسهم باسم رجل من أثيوبيا يلقب نفسه بالجامي وتتلمذ عليه رجل يكني نفسه بالمدخلي وتابعه في هذا خلق كثير، وكنت لأول مرة أسمع به من شاب فهيم وهو أستاذ فلسفة في بوزنيقة وقال لي هذا الفكر خلق من التشويش الشيء الكثير، وأنا لفترة من عمري عشت في دول النفط أعمل طبيبا وكان ينالني منهم الشيء الكثير، وكتبت لفترة في جريدة الرياض السعودية ولكن على حذر شديد كما يفعل الجراحون لاستئصال ورم خبيث ـ وأنا جراح على كل حال ـ كنت أكتب صفحة كاملة أحيانا بأزيد من 4000 كلمة مع الهوامش والمراجع أبحث في الأنثروبولوجيا والكوسمولوجيا وكان صديقي البليهي يقول مقالك طويلة ثم عناوين هذه المقالات تضبب ما تقول ولذا لا يتابعونها، إلا أن رجلا كان يشتغل في محكمة راقبني كما يراقب أشد المخبرين السريين رجلا خطيرا، حتى وصلتني في يوم رسالة الرجل بخط يده ولكن عن طريق رجل هام في مجلس الشورى وهو يطلعني على الرسالة باحترام بالغ، وهو يعرف خطورة هؤلاء على المجتمع والمفكرين، وقال لي يومها في رسالته المرفقة مع الرجل الموتور إنهم يفهمون علي أحيانا، وأحيانا يختلط عليه الأمر ويمكن أن تؤول الكلمات إلى ما لا تحمد عقباه فانتبه!.. وفي يوم جاءني مدير عام الشؤون الصحية وقال يطلبون رأسك ويطلبون طردك من الوظيفة فقلت لهم إنه عندي طبيب جراح ولا مأخذ لي على عمله، أما أفكاره فهي في صفحات الجرائد وهي مبذولة لكل واحد فردوا عليه إن استطعتم. هذه القصص ورسالة أخي اليوسفي المغربي الذي نجا من براثن هؤلاء القتلة باسم السلف ذكرني بقصة أبو صالح وأبو حمد!
اجتمع رجلان يتناقشان. في حوار رائع في مصائر الفكر، بين تسامح ينفتح إلا اللانهاية، وانغلاق يصب في الهاوية.
لنستمع للنقاش؟
أبو حمد لصديقه: فلنحمد الله على العقيدة السليمة الكاملة غير المنقوصة التي أنعم الله بها علينا؟
أبو صالح: نعم.. نعم إنها نعمة كبيرة ومنّة جليلة..
أبو حمد: ولكن للحقيقة فإن المسلمين أيضا بخير، فنحن نسمع عن إسلام 4000 من الألمان في سنة واحدة يدخلون الدين الحنيف..
أبو صالح: هي حقيقة، ولكن يا أبا حمد؛ فلنكن صريحين؛ فإسلام هؤلاء الألمان ليس مثل إسلامنا أليس كذلك؟؟
أبو حمد بعد تردد: ربما.. وقد يحسن إسلام أحدهم؛ إن هو تفقه على المذهب الصحيح، على مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب آل البيت…
أبو صالح: هل تريد الحقيقة ؟؟
أبو حمد: نعم وما هي؟؟
أبو صالح: الحقيقة أن الإسلام الحقيقي لا يوجد إلا في بلدنا والحمد لله، أما بقية المذاهب والفرق، ومن اعتنق الإسلام من الألمان والطليان والأمريكان فاخرطي؟؟؟
أبو حمد: نعم.. نعم.. فالحقيقة الحقيقية النهائية هي عندنا في قبضة يدنا ومنبع الحقيقة هو بين ظهرانينا..
أبو صالح: ليس هذا فقط، فلو نظرت إلى مدى الفسوق الموجود في مدن أخرى لهالك الأمر واستهوتك أحزان، وعلمت أن الشريعة المطهرة ليست إلا في مدينتنا الفاضلة، بما عجز عنه أفلاطون، وحار فيه الفارابي عن وجود المدينة الفاضلة، فنحن نؤم المساجد بانتظام، ونصلي بتقوى، ونعبد الله حتى يأتينا اليقين، في ظلمات الشرك والوثنية التي تطوقنا من كل جهة..
أبو حمد يهز رأسه: لا حول ولا قوة إلا بالله.. نعم إن الضلال عم في كل زاوية، والهرج والمرج والفتن قد طوقت الناس في كل مكان، وأنا معك في هذا الرأي، أنه لا مكان على وجه الأرض يعبد الله فيه حق العبادة، وفيه الدين القويم إلا مدينتنا الفاضلة..
أبو صالح: ولكن يا أبا حمد ألا ترى أيضا أن هذه المدينة الطيبة الفاضلة التي نعيش فيها ليست كلها صلاحا، بل خلط أهلها عملا صالحا وآخر سيئاً؟
ألا ترى بعض المنكرات قائمة هنا وهناك؟ وأن هناك الخبيث والطيب؟؟
أبو حمد: نعم، إنها حقيقة والله يا أبا صالح، فقد كثر الخبث والمنكرات، والموبقات يفعلها البعض، فليست مدينتنا تلك الطاهرة الفاضلة على سنن الصالحين وآل البيت المطهرين وأهل السنة والجماعة؟ ولكن أين إذا مكان الصلاح والتقوى يا أبا صالح؟؟ حقا إن الأمر محير..
أبو صالح بحزم التمعت معه عيناه: الدين الصحيح هو فقط في حارتنا، ألا ترى كثرة العابدين، والمصلين الذين هم لفروجهم حافظون، وللزكاة فاعلون؟؟
أبو حمد بحماس: إنها والله كبد الحقيقة.. نعم.. نعم يا أبا صالح.. الحمد لله على هذا الحي الطاهر الذي نسكن فيه؟
لم يترك أبو صالح أبا حمد يتمتع بالحماس؛ فالتفت إليه وفي وجهه ألف معنى ومعنى وقال: هل تريد أن أكذب عليك يا أبا حمد أم أصارحك الحقيقة؟؟
اضطرب أبو حمد من كلام وتعبيرات أبو صالح، وقال بشيء من التردد:
لا بل أريد الحقيقة فليس مثلها نصيحة..
أبو صالح: الحقيقة إنني أيضا بدأت أشك في عقيدتك، فلا أظنها أنها بتلك النقاوة على مذهب آل البيت وأهل السنة والجماعة.
نظر أبو حمد مرتاعا قد فتح فاهه من الدهشة فلم يحر جوابا.