سهيلة التاور
حالة الترقب بدت واضحة على عشاق السينما الذين انتظروا بشغف عرض فيلم «الفتاة الدنماركية» للمخرج توم هوبر، الذي اعتُبر حالة خاصة بالمقارنة مع الأفلام التي تزامنت مع عرضه، إذ يعرض قصة أول حالة موثقة لإجراء جراحة لتغيير الجنس. رغم موضوعه المشوق، هل يستحق هذا الفيلم كل هذا الاهتمام السينمائي؟
اختار مخرج فيلم الفتاة الدنماركية «The Danish Girl» توم هوبر (مخرج فيلمي «البؤساء» و«خطاب الملك» الحاصل على الأوسكار)، وهو عمل درامي جديد ذو طابع مخملي، بمشاركة كل من إيدي ردمان وإيليشا فيكاندر، أن يصور المشاهد الأولى لفيلمه في كوبنهاغن بالدنمارك. في أوائل ثلاثينات القرن العشرين حين كانت المدينة الهادئة تنبض بالفن التشكيلي، مع حضور خاص للطبيعة، يتوج الفيلم قصة حب وانقلاب جنسي. لوحات من الفن الحديث، ألوان وفساتين، رقة وعذوبة ورومانسية مفرطة. وإلى جانب ذلك يظهر الحضور الأنثوي الخجول ليطغى تدريجيا على كل شيء، ويفصح بشكل قوي عن سعادة تلك الأنوثة المختبئة خلف الابتسامات الظاهرة على الوجوه البشوشة. كما أن الموسيقى التصويرية التي وضعها ألكسندر ديسبلا تصدح بسلاسة وذوق راق.
صحيح أن فكرة الفيلم أتت بعد ظهور شخصية مثل كيتلين جينير بفترة طويلة، تلك السيدة التي كانت سابقا (بطلا رياضيا) حصل على ميدالية أولمبية لبلاده الولايات المتحدة، في سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يتحول إلى امرأة عن طريق عملية تجميل لتغيير الجنس، وهو السيدة التي توصف بأنها أشهر شخصية تتحدث بشفافية عن تجربتها في هذا الشأن. لذا فربما شعر هوبر بأنه يتعين على فيلمه الحالي أن يتسم بالاحتشام والتأنق لئلا يُنفر المشاهدين منه. ومن هنا استلهم هوبر الدراما التي يظهر خلالها «إينار» كزوج يهتم بشكله كثيرا، يتعامل مع جسده بغاية اللطف، هو رجل ذواق بأنامل نضرة وطلة بشوشة، ويرى أنه من غير العادل ألا يكون ما يريد، وطالما اقتنع ورغب ووجد من يساعده، فسيقدم على عملية تحول جنسي لتكون أول عملية من هذا النوع تحدث في العالم. ولكن بعيدا عن التوثيق والحفظ، فالفيلم يقف عند حساسية ما سيحل بهذا الشخص الشغوف اللبق، وليس أجدر من كلمة شغف لتوصيف هذا الفيلم.
في خط درامي مقابل لذلك وأكثر حساسية، تقف زوجته العطوفة الوفية، التي تشكل تضحيتها جوهر العلاقة بينها وبين زوجها، الذي سيتخذ قراراً يؤدي بهما لفراق جسدي حتمي، فيدفعها حبها له لتقديم هذه المساعدة، فهي أول من رأى جماله وحسنه كامرأة ترتدي الجوارب الشفافة والفساتين الكبيرة.
من جهة أخرى، تحمل «غردا» عبء تسلسل الأحداث، فهي التي أعلنت، بموافقتها واحتضانها لرحلة التحول هذه، بدء هذه المغامرة النفسية. وكما يحدث، في حقيقة الأمر، فلن يكون كل شيء مثاليا، فالحيوية النفسية والتقبل واضحين على ردة الفعل والتشجيع، فبين العبارات القصيرة والابتسامات الهادئة تسعى مع زوجها نحو ما يريد، ولكن عند الإرهاق والحاجة تجد نفسها خاسرة، ريثما تتعايش بوعي كبير وتدريجي مع حقيقة هذا التحول. فيغدو الأمر محكما خاليا من التصدعات الانفعالية، وكأن كل من يعمل في هذا الفيلم اتفق على الرتابة والسلاسة. فيتواجه كل هذا الزخم الصوري والاحتياج العاطفي بمشاهد طبيعية يليها حضور جذاب وشيق لرغبات إينار/ لي لي أمام جاذبية غردا في انتظارها.
وبحسب العمل، لا يبدو أن الشخصيات قد أصابها الفزع إزاء الجراحة التي سيُقدم إينار على الخضوع لها، كما لم تتخذ أيٍ من هذه الشخصيات موقفا مسيئا أو متعسفا أو عدوانيا للغاية حيال ذلك. ومع أن العمل تضمن تتابعا هزليا لمشاهد يظهر فيها أطباء مكفهرو الوجوه، يرون أن إينار ليس إلا مريضا بانفصام في الشخصية يحتاج للعلاج، لم يظهر السيناريو، الذي أعدته لوسيندا كوكسون، وجود أي صديق أو قريب أو زميل لـ«إينار» وهو يطرح حججا رافضة لإجراء هذه الجراحة، التي قد تودي بحياة الرجل الراغب في التحول لامرأة.
وفي الأخير ينتهي فيلم «الفتاة الدنماركية» نهاية درامية، نجد أنفسنا أمام «لي لي» – إينار سابقا- وهي تعلن قائلة: «أنا.. بكل معنى الكلمة.. أنا». ومباشرة بعد ذلك، وتحسبا لئلا يفهم بعض المشاهدين فحوى الرسالة التي يريد الفيلم إيصالها، وُضعت عبارة ختامية، جرى انتقاء كلماتها بعناية ومشقة، على حد قول المخرج، «يمكن النظر إلى القصة الرائدة لـ«لي لي» على أنها تمهيد للطريق أمام (ظهور) الحركة الحديثة الخاصة بالمتحولين جنسيا».
الفيلم خوّل لبطليه إيدي ردمان وإيليشا فيكاندر الترشح لأوسكار أفضل ممثل، وأفضل ممثلة مساعدة، وتتضارب الآراء حول من منهما يستحق الأوسكار هذا العام؟ علما أن ردمان كان حصل العام قبل الماضي على أوسكار أفضل ممثل عن دوره في فيلم «نظرية عن كل شيء» الذي يحكي قصة حياة العالم الشهير ستيفن هوكينغ. وهو اليوم ينافس بقوة على أوسكار آخر.