الفالطة بالكبوط
الجميع قلق ومرعوب بسبب الأرقام الأخيرة التي تعلن عنها وزارة الصحة بخصوص الإصابات بفيروس كورونا، وخصوصا بسبب ارتفاع أعداد الوفيات، ولو أنهم لا يوفرون للرأي العام معلومات مدققة حول معدل أعمارهم وسوابقهم الصحية.
وتبعًا لذلك فالمغاربة مستعدون لتقبل قرارات تحد من حرية تنقلهم وحتى من حرياتهم الخاصة، فهم يعرفون أننا نعيش تحت رحمة حالة الطوارئ. لكن هذا لا يعني أن تتخذ قرارا في السابعة مساء وتطبقه في الثانية عشرة ليلًا حتى دون منح المواطنين فرصة إعداد أنفسهم لتحمل تبعات سريان هذا القرار .
قرار تطبيق الحجر على ثماني مدن دفعة واحدة توجد في مناطق تحقق خمسين بالمائة من الدخل الوطني الخام كان قرارا متسرعا ومرتبكا وتسبب في ما يشبه هروبا جماعيا عبر الطرقات للمواطنين الراغبين في مغادرة المدن المعنية بالحجر قبل إغلاقها، بحيث كانت أمام هؤلاء المواطنين ساعات قليلة لإنجاز هذه المهمة الانتحارية.
بالنسبة للموظفين والمشتغلين في القطاع الخاص سمح لهم بدخول المدن المغلقة لكن عليهم التوفر على رخصة من السلطة المحلية وورقة تكليف بمهمة مسلمة من طرف مشغليهم. القرار صدر مساء الأحد والناس يجب أن يكونوا في أمكنة عملهم صباح الاثنين، فمتى سيحصلون على هذه الوثائق؟ فالمنام؟
ألم يكن من الأنسب منح المواطنين مهلة ولو ليوم واحد لكي يرتبوا أمورهم ويستخرجوا الوثائق الإدارية اللازمة لتسهيل تحركاتهم؟
لقد قلناها دائما وسنكررها هنا، ليس المشكل في المغرب مشكل قرارات، مهما كانت قاسية، فالجميع يتفهم الوضعية الصعبة، وقرار إغلاق هذه المدن كان متوقعا سبقته تنبيهات وإعداد نفسي من وزير الصحة ورئيس الحكومة، بل المشكل مشكل تواصل وتنزيل لهذه القرارات، وهذا ما لا يتفهمه المواطنون. المواطنون لا يفهمون كيف تتعامل معهم الحكومة بهذه الطريقة التي تفتقر إلى الحد الأدنى من الاعتبار لوجودهم وللإكراهات التي تتسبب لهم فيها القرارات الحكومية.
المغرب كان سباقا على المستوى العالمي لتطبيق الإجراءات الاحترازية حتى صار نموذجا يضرب به المثل، واليوم نرى كيف أن دولًا فتحت حدودها أمام السياحة تفكر في إعادة إغلاقها بسبب عودة انتشار الفيروس، مما يعني أن المغرب كان حكيما عندما قرر الإبقاء على حدوده مغلقة وسمح برحلات خاصة.
والمغرب استطاع بفضل الإشراف المباشر لأعلى سلطة في البلد أن يرسم صورة مشرفة عن المملكة كبلد يقاوم جائحة عالمية ويساعد دولًا أفريقية في ذلك، لكن الصور والفيديوهات التي تنشر الآن في كل شبكات التواصل الاجتماعي بسبب القرار الأخير المشترك للداخلية والصحة والتي تظهر فيها طوابير السيارات الطويلة في الطرق ومحطات الأداء ينسف هذه الصورة ويعطي عن المغرب صورة البلد الذي يهرب مواطنوه نحو مدنهم في نزوح جماعي تسبب في حوادث وهلع وفوضى غير مسبوقة.
عندما طلب رئيس الحكومة من المواطنين تشجيع السياحة الداخلية استجابوا وحجزوا في فنادق المدن السياحية، لكن عندما أرادوا العودة لمدنهم وجدوا أنها أغلقت دونهم.
عندما قالوا لهم إن عيد الأضحى سيكون هذه السنة ها هم يمنعون الناس من الذهاب إلى مدنهم حيث عائلاتهم للاحتفال بهذا العيد.
هناك من يقول إنه كان من الأفضل إلغاء فريضة عيد الأضحى وكفى الله المؤمنين شر القتال. هكذا كنا سنتفادى هذه الأمواج البشرية التي تتحرك بين المدن وسنتفادى انتقالًا متسارعًا للفيروس في كل أرجاء البلد.
أنا أعتقد أنه يمكننا أن نحافظ على السير العادي للحياة، شرط التطبيق الصارم للقانون، لأن قرارات إغلاق المدن تبقى مكلفة من الناحية الاقتصادية.
عندما قرأت قبل شهرين أن قطر تفرض غرامة على كل شخص لا يرتدي القناع الواقي قدرها خمسون ألف دولار وعقوبة سجنية تصل لثلاث سنوات قلت إن هذا القانون جد متطرف، الآن أتفهم الأمر بشكل أفضل، هناك نوع من البشر لا يجدي معه التحسيس والنصيحة، بل يفهم فقط بقوة القانون.
والجميع لاحظ أن هناك حالة تراخ في الآونة الأخيرة نتج عنها ظهور بؤر إصابات جديدة بالوباء، خصوصا في طنجة.
أعتقد أن هناك استسهالا للوضعية الوبائية من طرف بعض المواطنين وذلك للأسباب التالية:
أولًا، ملاحظتهم لتساهل بعض رجال السلطة في التطبيق الصارم للقانون في حق مخالفي شروط السلامة الصحية. فالناس يتحركون بحرية في الأسواق والشوارع بدون كمامات أو تباعد اجتماعي.
ثانيا، اعتقادهم أن الفيروس ليس بتلك الخطورة التي تم تصويره لهم بها، بدليل نسبة حالة التعافي العالية، مما يعطي شعورًا خادعًا للناس بأن الفيروس ليس قاتلا كما تم تصويره، مع أن ما يحدث في طنجة يعطي صورة معاكسة تمامًا لهذا الشعور.
ثالثًا، ظهور فيديوهات لأشخاص في الحجر الصحي بالمستشفيات، مثل بنسليمان حيث يظهر شباب ينظمون دوريًا لكرة القدم، وأخريات يرقصن كما لو أنهن في حفل زفاف. مما أعطى انطباعا للناس بأن الأمر غير جدي وأنهم إذا أصيبوا بالعدوى فإنهم في أسوأ الحالات سيكونون في غرف مع معارفهم واكلين شاربين معالجين، وأن الأمر بالنهاية ليس دراميا، بل يمكن أن يكون بالنسبة للبعض فرصة لمغادرة ضيق البيوت وسوء التغذية والعزلة وممارسة بعض الألعاب الرياضية.
الآن ما الذي يجب فعله؟
إلى حدود الساعة لم يشاهد المغاربة الوجه البشع لفيروس كورونا، لم يروا الناس الذين كانوا يختنقون في العناية المركزة، والذين كانت أجهزة التنفس هي كل ما يربطهم بالحياة، والذين ماتوا بعد غيبوبة طويلة وتم دفنهم دون تغسيلهم ودون حضور أهلهم أو الصلاة عليهم. لم يروا دموع أهالي الضحايا ولم يسمعوا زفراتهم وهم ممنوعون من الوقوف على قبورهم من أجل صلاة أخيرة.
الناس لم يعيشوا ما عاشه الناس في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وما يعيشه الأمريكيون في أمريكا اللاتينية اليوم حيث يدفنون موتاهم في قبور جماعية.
لذلك فهم عندنا يستسهلون هذا الفيروس ويتصرفون بطيش يمكن أن يهدد حياتنا جميعًا ويقودنا لا قدر الله لعيش ما عاشه مواطنو هذه الدول، سيكون علينا أن ندفع نحن الذين نحترم بالحرف شروط السلامة الصحية ولا نخرج للشارع إلا ووجوهنا مغطاة بالكمامة ثمن تهور وطيش بعض هؤلاء الجهلة.
لماذا سيكون علينا نحن الذين نحترم القانون حرفيا ونلتزم بالتعليمات ونتبع نصائح المسؤولين أن ندفع من أمننا وصحتنا وجيوبنا أخطاء وطيش وانعدام تربية بعض هؤلاء المعتوهين؟
أليس هناك في القانون ما يردعهم ويجعلهم يحترمون المواطنين الصالحين من هذا الشعب الذين تحترق أعصابهم وهم يرون كيف ينشر هؤلاء المعتوهين العدوى في الشوارع بكل حرية؟
لقد حان الوقت لكي نتدارك ما بقي من وقت لشد الحبال واستعادة رباطة الجأش واليقظة والصرامة.
سيكون مؤسفا أن يحقق المغرب كل هذا الإنجاز العظيم الذي تشهد له به كل دول العالم، وفي الأخير يأتي بعض المتهورين لكي يفسدوا كل شيء ويدخلوا البلد في متاهات لا قبل لنا بها.
ثم هناك شيء خطير يجب الانتباه إليه وهو أعصاب ومعنويات الناس الذين لزموا الحجر الصحي، لأنهم عندما يرون كيف أنهم ضحوا بالبقاء داخل بيوتهم كل هذه المدة لكي يتسبب البعض باستهتارهم في إعادتهم إلى نقطة الصفر من جديد فإن معنوياتهم ستنهار، وسيبدؤون في فقدان الثقة. وهذا أخطر شيء يمكن أن يصيب المجتمع في مثل هذه الظروف العصيبة.
لذلك فالحل هو التوقف عن التعويل على سياسة التحسيس والمرور لسياسة تطبيق القانون.
يمكن أن نحافظ على السير العادي للحياة شريطة المراقبة والمتابعة والصرامة في تطبيق القانون.
وكل من يستخف بقوانين السلامة الصحية سواء كان مسؤولا عموميا أو رجل سلطة أو مواطنا عاديا أو رب عمل أو مالك ضيعة أو وحدة صناعية عليه أن يفهم أن استخفافه سيترتب عنه أثر قانوني ملموس ومحسوس، أي الفالطة بالكبوط.
غير ذلك سنبقى كمن يصب الماء في سطل مثقوب ويستغرب عدم امتلائه.