شوف تشوف

الرأي

الفائز بكتاب الصيف

شامة درشول

 

لا أذكر لا اسم البرنامج، ولا اسم مقدمه، مع أن البرنامج شهير، وصاحبه مشهور، لكني أذكر جيدا أني تابعت مقطعا من إحدى حلقاته على «يوتيوب»، واستوقفني مشهد منه جعلني أتأمله بعمق.

البرنامج هو من نوع برامج الـ«show»، ويلقى متابعة كبيرة في أمريكا، ويقدمه ممثل كوميدي تحول إلى تقديم هذا النوع من البرامج الذي يعتمد على استضافة مشاهير، وطرح أسئلة مرحة عليهم، ومحاولة الضيف تقديم أجوبة ظريفة يتجاوب معها الجمهور بالتصفيق والضحك.

تبدو فكرة البرنامج خفيفة، لكن أن يختم المذيع في إحدى حلقاته بمشهد جمع فيه حوالي عشرة كتب، واختار من بينها كتابا منحه لقب «كتاب الصيف»، فهذا مشهد على برنامج مثل «رشيد شو»،  أن يقضي عشرات السنين حتى يفكر في تقديمه، ويجرؤ على تقديمه، على تلفزيون يتلذذ بتقديم آلاف الحلقات من «سامحيني»، ويتساءل لماذا مجتمعنا لا يتقدم!!

حين قدم المذيع والممثل الأمريكي الكتاب الفائز بلقب «كتاب الصيف»، قال: «هو موجود على موقع «أمازون» يمكنكم اقتناؤه منه، لكن يمكنكم فعل ما هو أكثر من ذلك وهو الذهاب إلى المكتبة، هيا يا رفاق، اذهبوا إلى المكتبة، يمكنكم قراءة الكتاب مجانا، ويمكنكم أيضا الحصول على أصدقاء جدد».

الرجل كان محقا، المكتبة مكان جيد للحصول على أصدقاء في المجتمعات الغربية، في أمريكا كانت بجوار مسكني مكتبة خاصة يمكنك دخولها مجانا، والاطلاع على الكتب فيها، كما يمكنك دفع اشتراك بقيمة 25 دولارا في السنة من أجل الحصول على امتياز استعارة الكتب، والحصول على فنجان قهوة بمقهى المكتبة بسعر مخفض، هناك كنت أستمتع برؤية عائلات يأتون مرفقين بأطفالهم الصغار، وحتى الرضع ليقرؤوا لهم القصص هناك. وكنت أستمتع، أيضا برؤية ثنائي شاب، جمع بينهما الحب والكتاب، لهذا لا يمكن أن أستغرب من قدوم مذيع ببرنامج خفيف على تقديم نتيجة مسابقة «كتاب الصيف»، كمشهد من برنامجه. ولهذا لا يمكنني أن أستغرب من عدم تواجد مثل هذه الفقرة في برنامج مثل «رشيد شو»، يفضل تقديم أطفال صغار يقولون «لا شيء»، لنضحك عليهم، ونصفق لهم، ويفضل تحدي الضيف بأكل «الهريسة»، على تحدي ملكة الفكاهة والمرح فيه، ولا يمكن أن نطالب «شو رشيد»، بما لا يملكه.

وبعيدا عن برنامج استنبط فكرته من البرامج العالمية، لكنه لم يستنبط روحه، وفضل تقديمه بصورة سطحية، ظانا أن لهذا البلد شعبا سطحيا، سنجد في القناتين حتى البرامج التي تقدم الكتب، هي برامج ثقيلة الظل، لا تنافسها إلا سطحية برنامج مثل «رشيد شو»، وهنا مكمن قوة برنامج هذا الممثل والمذيع الأمريكي، أن برنامجه خفيف، لكنه ليس سطحيا، أسئلته عميقة وليست تافهة، تخاطب ملك المرح والدعابة، وسرعة البديهة، وليست تخاطب البلادة، والضحك الفارغ من المعنى، وفوق هذا هو برنامج يقدم مادة ثقيلة مثل الكتب، بطريقة راقية تضيف على الكتب بهاء. فالمذيع يعرف أنه أمام جمهور يقرأ، وخلف الشاشة جمهور تربى في مجتمع دور النشر فيه تحقق مبالغ خيالية من جراء مبيعات الكتب، بسبب إقبال نهم لقراء جعلوا في بلدهم للكتاب جائزة في الصيف.

وقف المذيع وتأبط الكتاب بين ذراعه، وراح يقلد نفسه يتمشى على رمال الشاطئ وهو يمسك كتابا، ويقول: «سيكون منظرك جميلا وأنت تتجول في الشاطئ ممسكا كتابا، عطلة الصيف ستكون أجمل وأنت على الشاطئ وبرفقتك كتاب».

هل اخترت ماذا ستقرأ في هذا الصيف؟

عطلة الصيف كانت العطلة التي أمضيها في غرفتي أطالع الكتب، لم أحب يوما فصل الصيف، ولم أحب التوجه إلى الشاطئ، وتحمل ضوضاء المصطافين. لذلك كانت العطلة بالنسبة لي في فصل الصيف هي مجموعة كتب أسافر رفقتها طيلة الشهور الثلاثة من العطلة المدرسية، وبقيت على هذه الحال إلى الآن، أحدد الكتب التي سأطالعها في فصل الصيف، مثلما أنا حريصة على معرفة تواريخ التخفيضات و«shopping»، فاعتناؤك بمظهرك لا يعني أن تهمل اعتناءك بما في عقلك.

أخبرني مجموعة من الأصدقاء المصريين أنهم قادمون إلى المغرب في عطلة فأرسلت لهم بلائحة من عناوين الكتب التي أريد أن امضي رفقتها عطلة هذا الصيف، لم أختر كتبا كلها جديدة، ولا اخترت كتبا لم أقرأها من قبل، أحيانا علينا إعادة قراءة ما سبق وقرأناه.

قلت لأصدقائي أن يحضروا لي كتابا عن حياة الملك فاروق، آخر ملوك مصر، وطلبت منهم سيرة ذاتية لفرح بهلاوي، الامبراطورة السابقة لإيران، وطلبت المجموعة الكاملة لأكثر صديقين أمضيت معهما عطلة الصيف حين كنت مراهقة، ولم أرهما منذ ذاك الوقت، وهما «نجيب محفوظ»، و«إحسان عبد القدوس»، ولم أنس أن أطلب قصصا لـ«يوسف ادريس»، رغم أني أعرف أنه سبق وقرأت كل أعمال هذا الثلاثي.

ورغم أني أكتب باللغة العربية، إلا أني قارئة نهمة باللغة الإنجليزية، أطالع بها كثيرا، وحين أذهب إلى سريري لأخلد للنوم، أضع بجواري «الآيباد»، وأشغل عليه قصة إنجليزية مسموعة، وبذلك أحافظ على عقلي يفكر بلغة أخرى غير التي أكتب وأتحدث بها، وأفتح دماغي على عالم من القصص وأنا نائمة، وحين أستيقظ أجد نفسي صاحبة مخزون من الأفكار والحكايات. فللكتب سحر لا يعرفه سوى من رضعه من الصغر، مثلما للبرامج التافهة التي يزخر بها التلفزيون المغربي تأثير على تخلفنا وسطحيتنا.

هل سنجد يوما «رشيد شو» يقدم فقرة «الكتاب الفائز بلقب «كتاب الصيف»«؟ أتمنى أن يتحقق هذا يوما، وأن يتحقق بطريقة ذكية لا متكلفة، وأن يكون صاحب البرنامج فعلا صاحب كتاب، وليس مجرد منشط تحول إلى مذيع، ويسعى إلى الحفاظ على ما حققه من انتشار، ولو كان انتشارا بدون أدنى تأثير.

إلى ذاك الحين، أتمنى من الآباء ألا ينسوا، وهم يقترضون من أجل أن يهدوا لأطفالهم عطلة الصيف، أن يقتنوا لهم «كتب الصيف»، لعل أحدهم يكبر يوما ويقدم لنا برنامجا فكاهيا خفيفا، ولا تنسيه خفته أن «للكتاب عليك حقا»، فيخصص له فقرة مهمة في برنامج يعرف أن الفكاهة طريقة لجعل الناس يفكرون فيصفقون، لا يطلب منهم التصفيق وعدم التفكير، ولا حتى القراءة لا في الصيف ولا في الخريف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى