الغرفة رقم 35 مصدر إلهام مبدع أدخلت لوحاته طنجة إلى العالمية
حسن البصري
في كثير من مدن فرنسا تحمل أزقة ومؤسسات ثقافية اسم الفنان التشكيلي الفرنسي هنري ماتيس، وفي المغرب، الذي نسج معه وشائج علاقات راسخة، لا يحضر اسمه إلا في أوراق المذكرات وعلى واجهة مدرسة خصوصية في الدار البيضاء آمن صاحبها بأن الرجل يستحق أن يكون له حضور على الأقل لاستفزاز القائمين على ذاكرة هذا البلد الذي شكل عبر التاريخ فضاء جذب للكثير من المبدعين الوافدين عليه.
ارتبط الفنان الفرنسي هنري ماتيس بمدينة طنجة، حيث كان يقضي وقتا طويلا قبالة البحر، كما عرف عنه وفاؤه للغرفة رقم 35 من فندق «فيلا دو فرانس»، المعلمة السياحية والتاريخية آنذاك، وفيها رسم الكثير من لوحاته التي سافرت صوب المتاحف العالمية، لكن الفندق أغلق أبوابه عقب تداعيات حرب الخليج قبل أن تفتح الفيلا من جديد.
ولد ماتيس في قرية كاتو كامبيسس شمال شرق فرنسا في دجنبر 1869، ولم يبد أي نبوغ مبكر، درس القانون لمدة عامين في باريس، وأثناء عمله مساعد محام، بدأ يتحسس موهبته، وقرر تغيير مساره فاختار دراسة الفن في أكاديمية «جوليان»، وهناك فاضت موهبته، فاختار العيش في جزيرة كورسيكا بحثا عن الهدوء وجلبا للإلهام.
حل ماتيس بطنجة في مناسبتين معروفتين، وبعد ذلك تكررت هذه المناسبات. أول مرة زار فيها هذا الرسام الفرنسي المدينة كانت سنة 1912، حط الرحال بها في فصل الشتاء، وقضى بها وقتا قصيرا، لكنه لم يغب عنها طويلا، حيث عاد إليها في فبراير 1913، ليكتشفها بكل تفاصيلها ودفعها نحو الشهرة.
رغم قصر المدة التي قضاها هنري في طنجة، إلا أنها كانت مؤثرة في مساره الفني، «يوم وصوله إلى طنجة، كان الجو عاصفا والأمطار تتساقط بغزارة، واستمر هذا الجو الرمادي خمسة عشر يوما، ما جعله يكتب لصديقه الفنان ماركيت: «يا إلهي، ما الذي سأفعله؟ سيكون الأمر سخيفا لو قررت العودة. إن الطقس هنا سريع التحول. وحين استعادت سماء طنجة صفاءها المعتاد، شعر بغبطة كبيرة دفعته إلى الإبداع»، كما يقول الكاتب عزيز أزغاي.
ظهرت بصمة طنجة في أعمال هذا الفنان التشكيلي، خاصة الأعمال التي تنتمي إلى الفترة الثانية من إقامته في طنجة، مثل «الريفي الواقف» و«زهرة واقفة» و«فوق السطح» و«باب القصبة»، وهي إبداعات حضرت فيها طنجة بقوة، لكن دون أن يترك هنري ماتيس أثرا لدى التشكيليين المغاربة إذ يبدو أنهم كانوا يرفضون استلهام أعمالهم من وافد أجنبي غالبا ما ينظرون إليه كسائح يهوى جمع الصور.
يقول أصحاب هذا الطرح إن ماتيس ليس هو التشكيلي الوحيد الذي زار طنجة، فقبل أن يولد كان رسام فرنسي شهير اسمه يوجين ديلاكروا قد تردد على المدينة عام 1830 ضمن وفد دبلوماسي فرنسي، ونزل وقتها في «فندق كونتننتال».
في سنة 1939 انفصل ماتيس عن زوجته بعد زواج دام 41 عاما. وفي سنة 1941، أجرى جراحة لاستئصال القولون بعد إصابته بسرطان، وبعدها أصبح يتنقل على كرسي متحرك برعاية امرأة روسية. وبعد صراع مرير مع المرض، توفي ماتيس عام 1954 بنوبة قلبية، ودفن بالقرب من نيس.