شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الغدر والدم بالتاريخ الإسلامي

بقلم: خالص جلبي

في عام 1975 اتفق الشاه وصدام في الجزائر على مسألة الحدود، ووقع الطرفان على وثيقة دولية في جو من العناق. وبعد خمس سنوات تبين أن الاتفاق لا يساوي قيمة الورق الذي كتب عليه، وأن الغدر سيد الأحكام، وأن السيف أصدق أنباء من كل المواثيق الدولية، وأن القواعد تستخدم لخرق القواعد. وفي معظم بلدان العالم العربي يتم الاحتفال بأعياد وطنية، فتغلق المؤسسات العامة، وهي ذكريات أيام الغدر والانقلابات. ويخطئ من يظن أن هذا المرض حديث، فالمتتبع للتاريخ العربي يكتشف مسلسلا محموما من قنص السلطة الدموي والغدر المتصل، ثم محاولة شرعنته على يد وعاظ السلاطين. وظاهرة الغدر بدأت منذ أن صادر البيت الأموي الحياة الراشدية، مثل مرض الإيدز الاجتماعي. ونحن نعرف من مرض فقد المناعة المكتسبة، أن الخلل هو في تسلل الفيروس إلى الشيفرة الأصلية للتكوين. والمرض الأموي أصبح مقدسا محصنا ضد أي مراجعة. وأصل البلاء ليس أنه مرض عارض جاء، ثم تعافت منه الأمة، كما يحدث لأي واحد منا يصاب بالأنفلونزا فينهار، ثم يستعيد عافيته، بعد أسبوع. ولكن مسلسل الانهيار الذي دشنه معاوية لم ينته بعد، وما فعله الشيعة باسم الحسين والحسن وذو النفس الزكية بعده أشنع، أما الخوارج فقد خرجوا من كل الأمة واستباحوا دماء المسلمين، وقتلوا أعدل الناس عليا كرم الله وجهه.

مقالات ذات صلة

نحن نقدس أسلافنا مثل مشركي قريش لأسلافهم، فلا يمكن رؤيتهم في صورة بشرية، وإنا على آثارهم مقتدون. وسفينتنا الغارقة ما زالت تغوص إلى القاع مثل التيتانيك، ولم تستقر بعد في قاع المحيط. وإذا كان للسفن الغارقة قاع ترسو عليه، فإن المجتمعات تمضي في رحلة الانهيار إلى درجة الموت والتفسخ، ثم التحلل الكامل، عندما تتمزق شبكة المجتمع، وينقلب من نشاط مشترك على أنغام موسيقى جميلة، إلى كائنات بيولوجية فوضوية لا يضمها خيط. يبحث كل فرد عن خلاصه الفردي في جو من التيه والخوف، ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها.

وإذا كان الأمويون قد أنتجوا على نحو شاذ صالحا مثل عمر بن عبد العزيز قضوا عليه بالسم، بعد سنتين من حكمه، فإن النموذج العباسي أنتج السفاح وأبو مسلم الخراساني، الذي حمل توصية خاصة بقتل كل من رابه أمره، ولو كان طوله خمسة أشبار.

ومضى تاريخ الخلفاء العباسيين بعد ذلك على  نحو أدهى وأمر؛ فقد قتل جعفر «المتوكل» على الله، وهو الخليفة العاشر، وقتله من قتلوه متوكلين على الله. كما قتل الخليفة الحادي عشر «المنتصر بالله»، فلم ينصره أحد. أما «المستعين بالله» فقد خلع، ثم قتل ولم يعنه أحد، وكان الثاني عشر. كذلك قتل الخليفة «المعتز بالله» بدون أي عز وكان الخليفة الثالث عشر، وكذلك كان مصير «المهتدي بالله»، الخليفة الرابع عشر. أما الخليفة الثالث والعشرين، «المستكفي بالله»، فقد سملت عيناه، ثم سجن حتى مات. أما الراضي بالله وهو رقم 19 بين الخلفاء، وهو «عبد الله بن المعتز» فقد حكم يوما واحدا ولم يكن راضيا مرضيا. وفي النهاية خرج آخر خليفة عباسي سمين حاسر الرأس، ليقابل الجزار هولاكو، فيسأله بخبث: أين مخبأ بركة الذهب الخالص؟ ثم حكم الخلفاء العباسيون في مصر بدون أن يحكموا، ولم يكن مصيرهم بأفضل وكان عددهم 17 .

وأما المماليك فكانوا ثلاثة أجيال: البحرية والبرجية والشراكسة، فأما البحرية فقد حكم منهم ستة، انتهت حياة خمسة منهم بالقتل. وأما المماليك البرجية فقد حكم منهم 21 واحدا، خلع منهم 11 وقتل 4. أما المماليك الشراكسة فقد حكم منهم 25، خلع منهم 12 وقُتِلَ اثنان وخنق واحد وشنق واحد. وكان أعقلهم المدعو «جقمق»، فقد استقال بعد أن تحول كرسي الحكم إلى كرسي الإعدام. ولكن ما معنى هذه الرواية الحزينة من التاريخ؟

لا ننس في النهاية من تتويج هذه السلسلة الذهبية بأقبح تقليد دشنه محمد الفاتح، بقتل الإخوة مع اعتلاء السلطان العرش. بدأه بقتل أخيه الرضيع، ليلحقه مراد الثالث بقتل إخوته الخمسة، حين تولى العرش، أما محمد خان الثالث فقبل دفن أبيه، قام بخنق 19 أخا له، فاكتمل نصاب الموتى عشرين، فدفنوا في جنازة سلطانية لائقة.

نحن كما نرى في حالة استعصاء كاملة، بعد أن تحول المجتمع العربي إلى مهزلة للعالمين. ويفرك الإنسان عينيه، ولا يكاد يصدق عندما يجتمع عقلاء القوم في أكثر من بلد عربي، فيغيروا الدستور في دقائق، فيرفعوا أو يخفضوا في عمر المرشح مفصلا على القياس، كما حصل مع الأسد الابن البراميلي. وإذا كان الحكم الملكي الوراثي يجعل الوريث ملكا، ولو كان في المهد صبيا، فإن أنظمة العالم العربي اتخذت درجة فهرنهايت سياسية، قد توصل عمر المرشح من 14 عاما إلى 104 أعوام، بحيث إن الحاكم يضمن ولايات الترشيح مفتوحة في ملك لا ينبغي لأحد من بعده عطاء غير مجذوذ. إلى حين انقضاض جنرال جديد يشكل لجنة حجر على عقل الحاكم، فيرسله إلى مصح أمراض عقلية، أو حبل المشنقة.

وهذا المرض تكرره باكستان التي ترضع من نفس معين الثقافة المريض، فتتكرر المهزلة تحت التظاهر بثوب إسلامي لا يسر الناظرين. إنها أزمة ثقافية وأخلاقية تروي روح الغدر المتفشية. وإذا استطاع الطب فك كامل الشيفرة الوراثية، بحيث يمكن معالجة الأمراض التي كانت في حكم المستحيل، فإن جراحة اجتماعية متقدمة هي بحكم الضرورة للتخلص من هذا المرض الاجتماعي، ولكن أين الجراحون وأين الأدوات؟  

نافذة:

يخطئ من يظن أن هذا المرض حديث فالمتتبع للتاريخ العربي يكتشف مسلسلا محموما من قنص السلطة الدموي والغدر المتصل ثم محاولة شرعنته

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى