شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

 الغابة العالمية

 

مقالات ذات صلة

 

 

بقلم: خالص جلبي

 

أخيرا نطقت محكمة العدل الدولية في 26 يناير من عام 2024م، بعد مقتل 25000 من أهل غزة وتهجير مليونين، وإصابة مائة ألف أو يزيدون. منهم صديقي أبو رتيمة الذي قتل ابنه، والأخت رهف التي فرت هي وأحفادها هائمين على وجوههم من صواريخ بني صهيون. نطقت المحكمة التي تمثل قمة العدل في العالم، فتبين أنها مصابة بالشلل والخرس والعجز المبين، فكان مثلها كما يقول المثل تمخض الجبل فولد فأرا، لنعرف أن العالم مغارة لصوص وسفينة قراصنة. نصحت المحكمة الموقرة دولة بني صهيون بأن تتوقف عن إبادة أهل غزة، والكل يعلم أنه قرار لا يزيد على حبر على ورق، فهي لا تملك أدوات الإلزام والإجبار والضغط.. هو لون ممتع من الثرثرة كما كان يقول يوما جواهر لال نهرو، الرئيس الهندي الأسبق، وهو يصف الاجتماعات الدولية والمؤتمرات الدولية والتوصيات الدولية.

كما نرى العالم الذي نعيش فيه اليوم غابة تسرح فيها الضواري، وكما كان هناك ملك يحكم الغابة، فأمريكا اليوم هي أسد هذه الغابة. وكما ينص قانون الغابة أن (القوي يأكل الضعيف)، كذلك الحال في غابة الأمم المتحدة. وبالطريقة التي تتفاهم بها حيوانات الغابة الأقوياء، كذلك الحال في مجلس (الرعب) عفوا مجلس (الأمن). روسيا تبتلع الشيشان، ثم سوريا، والعراق التهمت الكويت، وأمريكا بدورها التهمت العراق. وإسرائيل تلتهم غزة، كما في أعماق المياه السمكة الكبيرة تبلع في جوفها الصغيرة. وكما تنوعت الحيوانات في السفاري التي تسرح فيها الضواري، كذلك الحال في الغابة العالمية اليوم. بين أسد أمريكي ودب روسي وتنين صيني وفيل هندي ونسر أوروبي ونمر ياباني وخنزير كوري شمالي وذئب تركي وضبع إيراني وثعلب صهيوني وجمل عربي وبقرة إفريقية.

أرسل إلي صديقي الكردي ظاظا وهو يتأمل الأوضاع، فنقل عن سكير روسي كاتب أن الجنس البشري مشروع كتب عليه الفشل منذ بدء الخليقة، وهو ما ظنته الملائكة في الكائن الجديد فقالت أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. الملائكة لم تراهن على كفر وإيمان الكائن الجديد المسمى الإنسان، بل إنه قاتل يسفك الدم. وسرح بي الخيال إلى خريف عام 2018 م، حين تم اغتيال خاشقجي الذي تم قتله في سفارة بلاده في إسطنبول في 2 أكتوبر من عام 2018. ودفنت العدالة بدون جنازة، كما لم تُصل صلاة الجنازة على خاشقجي، فليس من جسد ولا أثر وقبر. وكالعادة تم تقديم كبش فداء على المحرقة، أن من ارتكب الجريمة عصابة من القتلة المارقين، الذين قاموا بالجريمة بذراعهم وليس بأوامر من فوق! وبرئت ساحة المجرم الحقيقي، وإن كان القرآن له منطق مختلف فهو يرى أن الكل شركاء في الجريمة، بقدر حجم الاشتراك أو السكوت عنها!

هكذا جاء في قصة الإفك حين قال لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم. وما زلت أذكر وبجنبي رجل مخابرات عظيم الشاربين، كبير الهيكل، بعد أن أفرج عني من (كاراكون) الشيخ حسن في حي الميدان بدمشق عام 1969 وزوجتي حامل في شهرها الخامس لابنتنا عفراء، لا لذنب اقترفته، ولكن بموجب تقرير سمي من مخبر سري؛ حيث قضيت موقوفا في زنزانة منفردة شهرين، غير حفلات التعذيب. سألني رجل المخابرات على الشكل التالي: أستاذ ما رأيك في مهنتنا؟ يبدو أن ثمة قدر من تأنيب الضمير عنده! قلت له: ليس لي رأي، ولكن الله له رأي فيك! ارتج وقال مرتاعا: الله له رأي في مهنتنا؟ أجبته نعم. سأل: ماذا قال ربنا فينا؟ قلت اقرأ الآية: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين! زلزل رياض (هذا اسمه). قال: وماذا تريدني أن أعمل؟ قلت له: هو أشرف لك وأكرم أن تبيع البصل والثوم والكرفس في سوق الخضر من أخذ مرتبك على جلد أبشار الناس.

كمية الإحباط والأسى في صدري وأنا أقرأ الأخبار وأسمع عن نهاية خاشقجي، وكيف نجا الفاعل الفعلي من العقاب. والآن مع مذبحة غزة العظمى، ومن قبل أيضا كارثة سوريا بلدي على يد طاغية دمشق البراميلي. بل انقلاب الربيع العربي إلى شتاء وأوحال، وفي السودان يقتتل برهان بدون برهان وحميد بدون حمد بنار ينفخ فيها نفط الأعراب، ولا أحد يسمع عن هلاك السودان وأهله. لكأن الجسد العربي جثة متفسخة تنهشها ضباع الغابة العالمية. وأعجب ما يحدث في غزة بدء وانتهاء أن الكل يتفرج والعين تدمع والقلب واجف واليد لا تبطش والرِّجْلُ لا تقوى على المشي، كما وصف الرب: لهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ولهم أيد لا يبطشون بها ولهم أقدام لا يمشون بها. فقد علت دولة بني صهيون علوا كبيرا.

 في عالم (الحيوان) يتعرف المرء بسرعة على الكائن من جلده وأنيابه، ولكن في عالم (الإنسان) يبتسم الرأسمالي بأسنان بيضاء، ويعلق كرافتة حمراء، ويلبس نظارة جيورجيو أرماني، ويكذب بقدر جبل.

وصدق «جورج أورويل» في كتابه عن المزرعة «The Farm» أن الخنازير هم الذين سيديرونها فيسرقون بيض الدجاج، ويسخرون الحصان لبناء طاحونة، ويسيطرون على الجميع بكلاب شرسة مدربة على العض. ومن نسل الخنزير الكبير تظهر ذرية خنازير تملأ المزرعة.  

 

نافذة:

العالم الذي نعيش فيه اليوم غابة تسرح فيها الضواري وكما كان هناك ملك يحكم الغابة فأمريكا اليوم هي أسد هذه الغابة

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى