الغائب الأكبر
يوجد منذ ثلاثة أسابيع مئات الآلاف من التلاميذ خارج القسم، يتفرجون في معركة كسر العظام بين الحكومة وأساتذة التعاقد المضربين، والضحية الآلاف من الأطفال في مقتبل العمر مهددون بسنة بيضاء وهدر مدرسي قسري، وأسرهم التي تنظر حائرة إلى الزمن المدرسي ينفرط من بين أيديها دون أن تكون قادرة على فعل أي شيء.
وعلى ما يظهر فمسلسل ضياع مصالح التلاميذ سيستمر، طالما أن كل واحد من الأطراف المتصارعة يغني على ليلاه، فالوزير يهدد بالطرد والاقتطاع، والأساتذة لا يلقون بالا لتهديدات الوزير ويستمرون في إضرابات مفتوحة.
وبالطبع فهاته الحرب لن تعود إلا بالضرر على التلاميذ، فالموضوع أصبح خطيرا للغاية ويتخطى مطالب إلغاء نظام التعاقد، أو تغير نظام التوظيف إلى المس بأحد الحقوق الدستورية المتعلقة بضمان الحق في التربية والتعليم والتكوين.
ولسنا هنا في موضع يسمح لنا بلعب دور القاضي وتحديد الجاني من الضحية، فالكل يعلم أن حكومة بنكيران كانت تصدر قرارات عمومية بالجملة بدون دراسة الجدوى منها أو تقدير للأثر الذي يمكن أن تخلفه، لكن اليوم على الجميع نسيان منطق المواجهة والتفكير بمنطق أداء الواجب الذي يفرض التحلي بنوع من الحس الوطني، لتجنب تعريض ما يناهز مليون طفل لضياع سنة دراسية بدون ذنب، سوى أنهم أبناء فقراء لا يملك أولياؤهم القدرة على تدريسهم بالمدارس الخاصة.
وعلى الرغم من شرعية مطالب أساتذة التعاقد، وقد كنا في هذه الجريدة ولا نزال أول مدافع عنهم، إلا أن الثمن كبير، ورغم شرعية الاحتجاج إلا أن المخاطر كثيرة، ورغم شرعية الإضراب قانونيا ودستوريا إلا أن مستقبل التلاميذ أصبح في خطر، لذلك أصبحت الحاجة ماسة إلى البحث عن «ميكانيزمات» أخرى للضغط على وزارة التربية الوطنية، بدل الدخول في إضراب مفتوح لكي لا يفقد الأستاذة المتعاقدون مصداقية عملهم النضالي، ولا يضيعوا مستقبل التلاميذ.
ومما لا ريب فيه أنه من حق الوزارة اتخاذ المتعين ضد حالات الغياب الذي تعتبره غير مشروع، ومنها حقها في الاقتطاع عن الغياب والتهديد بالطرد، إلا أن ذلك كله لن يحل المشكل وليس كافيا لإعادة 70 ألف أستاذ متعاقد إلى أقسامهم، بل سيزيد الطين بلة.
ووسط كل هاته العتمة ما زال الحل ممكنا للخروج من الأزمة، وهو بيدي الوزارة والأساتذة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن بعيدا عن محاولات التوظيف السياسي والرغبة في الانتصار بالضربة القاضية، فالثمن الذي سيدفعه التلاميذ إن استمر الوضع هو أفدح من كل هذه المعركة، التي يدافع فيها الكل عن مصلحته وتبقى فيه مصلحة التلميذ هي الغائب الأكبر.