يونس جنوحي
وحدها نتائج قُرعة الحج هذه الأيام ما يهم المغاربة الذين يتوقون لزيارة بيت الله الحرام العام المقبل. تابع آلاف المغاربة تحضيرات الإعلان عن قُرعة الحج، والتي حددتها الوزارة، وهو ما يعني أن الشغل الشاغل هذه الأيام للراغبين في الحج هو فهم التغيرات الكثيرة التي سوف تعرفها إجراءات الحج والعمرة، خصوصا بعد صدور بلاغ عن وزارة الأوقاف، بشأن الزيارة الأخيرة لوزير الحج السعودي إلى المغرب، للإعلان عن مجموعة من الإجراءات الجديدة التي سوف تهم موسم الحج وأيضا العمرة.
زيارة وزير الحج السعودي للمملكة المغربية، قبل أسبوعين، واللقاء الذي جمعه مع وزير الأوقاف ليُعلن للمغاربة عن إحداث منصة جديدة لتدبير العُمرة، كشف عن إجراءات سوف تنقل تجربة العُمرة إلى تجربة «إلكترونية» مئة بالمئة، بشكل غير مسبوق.. أخبار العُمرة تهم جدا أولئك الذين لم يحالفهم الحظ ولم تُفرز أسماؤهم في لوائح المحظوظين الذين سوف يحجون العام المقبل.
المُعتمرون المغاربة مستقبلا لن يتوجب عليهم المرور عبر الطرق «البيروقراطية» القديمة، وسوف يكتفون بالحصول على التأشيرة الإلكترونية، في أقل من 24 ساعة، والتوجه إلى المطار مباشرة لبدء العُمرة.
وهذا عن طريق تطبيق أطلقت عليه وزارة الحج السعودية اسم: «نُسك»، وأحدث خصيصا لتسهيل العُمرة وإرشاد المُعتمرين إلى الأماكن المقدسة وترتيب أركان الحج، سوف يمكن للمعتمرين التقدم بطلب التأشيرة ومتابعة كل الخطوات التي كانت في السابق تتكلف بها وكالات الأسفار. وهو ما يعني ضمنيا نهاية زمن النصب على المعتمرين، إذ كثيرا ما اكتشف المئات من المغاربة أنهم ضحايا وكالات أسفار وهمية، وهم في المطار على بُعد أمتار فقط من الطائرة.
عندما وصل وزير الحج السعودي إلى الرباط، في الرابع من أكتوبر الماضي، وأعلن عن مبادرة «طريق مكة»، بدا واضحا أن المغرب يحظى بمكانة مهمة في «خريطة» هذه الطريق، خصوصا وأننا على رأس الدول التي شملتها هذه المبادرة. وبموجبها لن يكون هناك وجود للتأشيرات مستقبلا، وسوف يكتفي المُعتمرون بتأشيرات إلكترونية فقط لا غير.
في السابق، كان المغاربة يعيشون معاناة حقيقية في رحلات ختم الجوازات ومع طوابير الانتظار لإنهاء الإجراءات، رغم أن معظم وكالات الأسفار كانت تتكفل بختم التأشيرات. كما كان المغاربة الحاصلون على تأشيرات سعودية يحتاجون إلى تأشيرة خاصة بالعمرة. أما الآن فإن تأشيرة إلكترونية واحدة فقط تكفي، وهو ما يمكن اعتباره ثورة «معلوماتية» حقيقية. إذ إن الحصول على التأشيرة يتم عبر المنصة الذكية «نُسك»، ولا يستغرق من صاحبه سوى 24 ساعة فقط لكي يحصل على التأشيرة، خصوصا وأن الطلبات المغربية لرحلات الحج والعمرة تعرف ارتفاعا كبيرا جدا في السنوات الأخيرة.
المغرب من أقدم الدول التي وثقت لرحلات الحج والعُمرة، وهناك مخطوطات ووثائق تتحدث عن رحلات الحجاج المغاربة يعود تاريخها إلى أكثر من 700 سنة. وهؤلاء الحجاج المغاربة الأولون، كتبوا عن يوميات رحلات الحج التي خاضوها، وعن مغامراتهم في الطريق إلى الحج، إذ كانت العودة وقتها من رحلة الحج، والتي كانت تستمر عاما كاملا بين الذهاب والإياب، تعني ولادة أخرى لصاحبها.
هذا التطبيق الذكي من شأنه أن يختصر على المعتمرين، والحجاج مستقبلا، معاناة طويلة. إذ بإمكان الأسر التي تتوجه إلى رحلات العمرة أن تحدد موقع أفرادها بدقة ومكان وجودهم بالحرم دون الحاجة إلى أي اتصال، ويكفي أن يتسجلوا في التطبيق لكي يعرفوا الخطوات التي تنتظرهم. وهو ما يعني نهاية معاناة الأسر مع حالات ضياع المُسنين ومشاكل بقاء بعض الأفراد عالقين بعد الانتهاء من المناسك.
كما تمكن معرفة المسار الذي قطعه المُعتمر بدقة، وتصحيح الأخطاء التي يقع فيها أغلب الذين لم تكن لهم معرفة مسبقة بمواقع الأماكن المقدسة.
تحتاج رحلة الحج المغربية الآن إلى التوثيق، أكثر من أي وقت مضى، خصوصا وأن ماضي الحجاج المغاربة و»مذكرات الحج المغربية» التي تنام في رفوف المكتبات منذ قرابة ألف عام، وثقت للأزمنة التي كانت فيها تجربتا الحج والعمرة رحلتين محفوفتين بالمخاطر، قد لا يعود منها المُسافر. وها نحن الآن مُقبلون على زمن التطبيقات الذكية، التي تطوي الزمان، وتجعل زيارة المناسك المقدسة، في «مُتناول اليد»، وتختصر كل شيء في الجيب.